
![]() |
جيل زد المغربي وصوت الشارع |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
من الرباط إلى الدار البيضاء، ومن طنجة إلى مراكش وأكادير، خرج جيل جديد من المغاربة ليهتف في الشوارع بما يراه حقاً بسيطاً: تعليم جيد، صحة تحفظ الكرامة، وفرص حياة عادلة. إنهم أبناء الرقمنة الذين وُلدوا في زمن مفتوح على العالم، فاكتشفوا أن الشاشات مهما بدت واسعة تضيق حين تُغلق أمامهم أبواب العمل والأمل، فاختاروا أن يختبروا الشارع كمنبر وحيد يملكونه.
ما بدأ افتراضياً على منصة ألعاب "ديسكورد" تحوّل سريعاً إلى نداء جماعي تحت اسم "Gen Z 212"، وهو اسم يحمل دلالتين واضحتين: "جيل زد" باعتباره جيل الشباب المولود بين منتصف التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، و"212" كرمز دولي للهاتف يرمز إلى المغرب. بهذا المعنى، اختار هؤلاء الشباب هوية جامعة تختصر جيلهم وبلدهم معاً، وتعلن عن ميلاد حركة احتجاجية رقمية عابرة للجغرافيا المحلية، قادرة على أن تتحول إلى واقع في الشارع.
لكن ما قوبل به هذا الحراك لم يكن سوى استنفار أمني واعتقالات، لتُطرح الأسئلة من جديد حول معنى الحق في الاحتجاج في بلد ما زال يوازن بين مطلب الاستقرار وتطلعات الحرية. فالجوهر هنا لا يقتصر على تحسين الخدمات الاجتماعية، بل يمتد إلى أزمة ثقة عميقة بين المواطن ومؤسساته.
الأرقام الرسمية نفسها تكشف حجم التدهور، إذ أكدت أكثر من 60% من الأسر المغربية أن التعليم والصحة تراجعا خلال العام الماضي، في تناقض صارخ مع خطابات الإصلاح. وما زاد من حدة الغضب أن الدولة تُرصد مليارات الدولارات لبناء ملاعب استعداداً لكأس إفريقيا والعالم، بينما تُترك المستشفيات بلا تجهيز والمدارس بلا جودة، وهو ما يراه الشباب انحرافاً واضحاً في سلم الأولويات.
وليس الفساد بعيداً عن المشهد؛ فالكثيرون يرونه ثقباً أسود يبتلع أي إصلاح محتمل. ومن هنا كان الاحتجاج تعبيراً عن وعي جديد يربط بين المطالب الاجتماعية والحق في المحاسبة، ويضع الدولة أمام مسؤوليتها التاريخية: فإما أن تقطع مع سياسات التجميل الظاهري، أو تستمر في تدوير نفس الأزمة.
المطالب إذن ليست موجهة ضد حكومة بعينها، بل هي أبعد من ذلك: احتجاجات "فوق حكومية" تكشف خللاً بنيوياً في نموذج كامل لإدارة الدولة والمجتمع. شباب جيل زد يقارن نفسه بأقرانه في العالم، يرفض الأعذار البالية، ويسائل عن جدوى الشعارات التي تتكرر دون أثر في الواقع.
إن "Gen Z 212" ليس مجرد هاشتاغ عابر، بل هو عنوان مرحلة جديدة في علاقة الشباب المغربي بدولته. هؤلاء لا يريدون أن يسمعوا عن إصلاحات مؤجلة، بل أن يعيشوها الآن، لأن مستقبلهم يُبنى اليوم لا غداً. لقد أعلنوا بصوت مرتفع أن بناء الملاعب لا يُغني عن بناء الإنسان، وأن كرامة المواطن ليست بنداً يمكن تأجيله إلى أجل غير مسمى.
ما يطالب به هذا الجيل ليس سوى أبسط مقومات الحياة الكريمة. فإذا أُصغي إلى صوته بجدية، فقد يكون ذلك بداية تحول نحو مغرب أكثر عدلاً وإنصافاً. أما إذا استُهين بمطالبه أو عومل كضجيج عابر، فإن الخسارة لن تكون خسارة جيل فقط، بل خسارة وطن يغامر بمستقبله. |
المشـاهدات 67 تاريخ الإضافـة 05/10/2025 رقم المحتوى 67066 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |