النـص :
لا يكاد يمرُّ يوم من دون أن نسمع كلمة دولة، وربّما يروق لبعضهم ولعظمة شأنها أن يحولها الى مصطلح سياسي، ولا يمكن أن نبتعد كثيراً عن تعريفها الشائع ، الذي عدّها مجموعة من الافراد يمارسون نشاطهم على اقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شؤونهم ، وللدولة مؤسسات خاصة تشرف على الانشطة السياسية والاقتصادية وايضاً الاجتماعية تُدار من حكومات تتغير على وفق النظام القائم ،ديمقراطي عن طريق الانتخابات الدورية والتداول السلمي للسلطة ،او تدخل هي ومؤسساتها تحت رحمة دكتاتور قمعي جاء بعد انقلاب او حركة حزبية اختزل بشخصه وحزبيه الدولة ووظّفها لخدمته وخدمة عائلته وحزبه او عشيرته ، وهناك اشكال ربما تجمع بين الادارة الدكتاتورية ونوع من المتنفس ربما تمنحه السلطة للجماهير عبر مجلس شعبي محدد الصلاحيات ،وهكذا تظهر ادارات مختلفة للدولة، إلا أن ما يميزها جميعاً وجود قانون يمثل ارادة الدولة وهيمنتها على المجتمع ،الذي بدوره يحتاجها لأنْ تُسيّر ادارة شؤونه والحفاظ على كيانه وحدوده وهويته، لذلك الدولة اكثر ثبات من الحكومة، والأخيرة تقوم وينتهي عملها او تسقط وهي تتحرك على وفق أنظمة ولوائح قانونية تُنظم عملها تخدم الدولة ، وما انفكت الشعوب المتحضرة الواعية من أن تحفظ للدولة هيبتها وقانونها، والا فإن الخطوب تَتْرَى والازمات والصراعات والخصومات ثم الفوضى والتأخر والتقاتل والانهيار ، وقد بجّل بعضهم الدولة الى جدٍ جعلها بمصاف العبادة، وأنّ سموها وعظمتها تعني سمو العرق والهوية والقوة والمنعة التي تقييها الانهيار و أن يُعبث بها وبقوانينها ويُدمر اقتصادها ويُسيطر عليها الجهل ويسقط النظام ويغيب السلم ويحلّ النهب وتعجز الى أن تسقط ليلتهمها جاراً لها او دولة عظمى يسيل لعابها على ثروة شعبها ،ما نشهده اليوم ونحن نعيش دعايات المرشحين هو سحق مفهوم الدولة وتفتيته حينما تداخلت صلاحيات السلطات الثلاث من خلال عمل سابق وشعارات جديدة يسعى المرشحون الى ترسيخها وترسيخ واقعها لتحلّ فوضى التداخل ، اذا تجد المرشحين يُنصّبون أنفسهم محل السلطة التنفيذية والقضائية أيضاً ،مع العلم أن مكانتهم هي تشريعية رقابية ، فما الذي يحصل اليوم؟ وعود عريضة وحتماً اذا ما توفرت الظروف ستُطبق وتحل الفوضى والتجاوزات، فنحن اليوم نسمع عن (مصباح علاء الدين) وتحقيق المعجزات ، إذ تشهد مكاتب بعض المرشحين من البرلمانيين السابقين والوزراء وقادة الاحزاب، تصاعد حمى الوعود وهم يفركون مصابيحهم السحرية ليقتحموا بوابة الوزارات كافة من اجل التعينات والنقل بين الوزارات وتوزيع الاراضي وتمليك التجاوز واخراج السجناء والعفو العام وفتح المشاريع والخدمات العامة التي بالفعل نفذوها عن طريق الوزارات والدوائر التي هيمنوا عليها، بعدما ابقوها تحت ايديهم لأعوام، وحينما جاءت الانتخابات استغلوا تنفيذها من اجل انتخابهم من الجماهير التي هي الاخرى لا تميز بين الصلاحيات وتداخلها، انما تحكمها الحاجات والمصالح لا بل (الطمع)، فمن اجل البقاء في السلطة والاستمرار بالحكم تتبع الاحزاب وشخصياتها اسلوب الإرضاء والتملق على حساب الدولة وقوانينها ونظامها الى أن حولوا اغلبية الجماهير الى جماهير طماعة لا تشبع وهمها الاول استغلال ظرف الانتخابات، وقد عرفت ذلك جيداً ان موسم الكسب هو الانتخابات، وما ان ينتهي موسمها وتبدأ عجلة الحكومة بالدوران يتعالى صراخ التخبط بالادارة وعجز الميزانية وخواء الخزينة وفوضى تداخل الصلاحيات ، ومع شديد الاسف يصمم النائب على اهانة الدولة ولا يعلم انه يهين القوانين ليرفع شعار( انا الدولة) مدعوماً بسياسة حزبية تُقزم فعل الدولة.
|