من خبز ورغيف ودموع
![]() |
| من خبز ورغيف ودموع |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
ناهد الزيدي
الأب و الأم يقدمان تضحيات عظيمة بصمت، يهبان العمر والراحة من أجل راحة أبنائهم هما السند الذي لا ينكسر والعطاء الذي لا ينضب.. و أكتم حسرتي لتحين لي فرصة الاعتراف بجميلهما و أبدأ بكتابتي لهما. كبرت أنا و كبرا والداي و لكن تذكرت للتو أني تركت ورائي أجمل ما في الكون ، لم أكترث لمجهوداتهم أبدا خاصة والدتي التي تحملت أتعابا فوق أتعابها، تركتها و تركته في زمن غير زمانهما و سافرت بعيدا عنهما بعد أن أخذتني غفلة الدنيا .. سأحدثكم عن والدي .. كان يبيع الرغيف في الطرقات ،كان رجلا شهما و رغم قلة حيلته إلا أنه لا يقبل الشفقة من أي أحد ، كان ذو وقار ، يرتدي قميصا واحدا طول الشتاء و طوال الفصول ، يريد أن يدخر نقوده لغرض إرضاء إحتياجاتنا اليومية ، وفي تمام الساعة السابعة أو السابعة و النصف يخرج أبي إلى شوارع المدينة و في وسط بطنه سلة مليئة بالأرغفة التي يبيعها إلى أهل المدينة بدينار أو نصف .. أما الآن سأتحدث عن والدتي التي لم أعرها حظا من الإهتمام حتى في الكتابة فأقول و حسرتي تملأ فؤادي . كانت أمي إمرأة مجاهدة بأتم معنى الكلمة ، مجاهدة من أجل صغارها ، تفيق كل يوم على الساعة الخامسة صباحا ، تترك أحلام نومها و تنهض نحو كابوس يقضتها ؛ تعجن الخبز و تجهز طاولة الفطور فنجتمع حولها .. تلك البساطة التي وجدناها في دائرة الخبز لم نجدها في أي رغيف آخر .. . كيف لا نقدّس حبّها و مشقتها وكل شيء جَميل تَستحقّه هِي بل كُل شيْء لطِيف لهَا و لأَمثالها ، و كُل ألمٍ و تعبٍ و إرهاقٍ مرتْ بِه هيَ؛ و مَازالت تَمر به . لعِبت أدوارا شاقّة تكسر الظّهور و رغم ذلك لم تنحنِ و لم تسقط ، ظُلمت في مجتمعها و في حضرة حاكمي بلادهَا و صمتت .. ربَّما صَمتت قولاً و لكن أَفعالها تَكلّمت .. تكلم فعل العمل الشّاق ، تكلمت حِزمة الحطب على ظهرها ، تكلمتْ يداهَا التّي جُرحت من جمع خيرات بلادهَا، تكلّمت مقاومتها للحيَاة ، تكلمت جروحها ، تكلمت الحافلة التي تحولت فيها إلى جثة ميتة ، تكلمت حرارة الطقس و و عرقها الذّي بلّلَ الأَرض و تطعمنا ثمارها و تجمدت في برد الشتاء لتَجمع حَفنةً من الزَّيتون و احترقت يَداها وهي تَشوي لتُطعم ، تحمّلت وجع الولادة و أتتها البشرى و بعدها تعبت في تربيتها ، عُنّفت و ما كانت تستحق كل ذلك العنف ، سَكنت المساجد و بكت ، طُردت في الليالي الباردة و تعذّبت، ركلتها أقدام حقير و استعبدت ، انتهكت حرمتها و اغتصبت أمام صغارها و زوجها، دفنت تحت بيتها الذي هدم ، شدت بطنها و بطن أولادها بصخرة من شدة جوعها و جوعهم ، قتلت و أصبحت جثتها أكلا للكلاب السائبة ، صرخت حين نهش الكلب لحمها فماتت ... ،(إمرأة تونس ، إمرأة فلسطين ، إمرأة العالم العربي ) .. هذه هي الأفعال التي لم و لن تنسى و لم يستطع أي أحد القول عنها .. |
| المشـاهدات 47 تاريخ الإضافـة 25/10/2025 رقم المحتوى 67674 |
توقيـت بغداد









