قصة قصيرة
الطفل الذكي ولعبة الخنفساء![]() |
| قصة قصيرة الطفل الذكي ولعبة الخنفساء |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
مؤيد عليوي
جاءت أجاكا كرستي وزوجها منقب الاثار إلى مدينتنا الكبيرة عفج التي لم نرَ غيرها فالمحظوظ مِنا مَن يذهب مِن قريتنا الصغيرة عند تل الاثار الى مدينة عفج ليعود فيحكي لنا مشاهدته هناك ، لقد سكن الضيفان في بيت ريفي عراقي قريب من منطقة الاثار السومرية في قريتنا ، منتصف الخمسينات إذ يعمل الزوج صباحا الى الخامسة عصرا في يوم حار من أيام القيض العراقي.. بمثابة سعادة لنا ونحن ننظر الى عملهما كان البيت طينيا عاديا يفوح برائحة العلم والبحث العلمي عن حقائق الانسان وما قدمه وقتذاك كما كانت الاثافي مما تستعمله العراقيات في تلك القرية من مدينة عفج على الطريقة البدائية تارة الرجل الإنكليزي يضع قدر الطبخ وتارة زوجته لم يكن بينمها فرق في عملية طهي الطعام النادرة عندهم، فاكثر طعامهم كان من معلبات بريطانية الصنع لم نشهد مثلها في القرية ولا حتى في مدينة عفج الكبيرة بالنسبة لقريتنا الصغيرة قرب تل الآثار القديم، كنا صغارا أطفالا نتعارك فيما بيننا مَن يستحوذ على علبة فارغة من معلبات الضيوف الجميلة بعد رميها وهما يتناولان ما فيها من طعام لم نألفه لكن رائحة كانت شهية، كانا يتناولان الطعام أمام باب البيت في ظل شجرة الكالبتوز الكبيرة حيث يجتمع الصبية حولهما وقت الاستراحة من العمل، وفي ذات الظل الكبير للشجرة العتيقة، يجتمع الاطفال حول قطعة الاثار التي يجدها المنقب وزوجته اجاكا كرستي تساعده في عمله هذا كانت تحفر أرض التل كما أمهاتنا في الفلاحة وزراعة الاشجار ، إلا أن ملابس الضيفين كانت صيفية جديدة كل شيء فيها للنصف بما يساعدهم على حفر التل والتنقيب بسهولة، كانت هي تنظر للأطفال والصبية وهم يحدقون ملء السماء على أيادي تعمل بحرفية في تنظيف القطع الاثارية المكتشفة ، كنا أطفالا بملابس بسيطة وبعضنا ملابسه رثة قديمة، أما أبناء الموظفين وهم قلائل فكانت ثيابهم نظيفة بنت سنتها، كنا نشكل حلقة دائرية تسبب ظلا كبيرا على عيون الرجل وقطعة الآثار التي بين يديه كما أحدنا يدفع الآخر بسبب الزحام وإذا جاءتك دفعة قوية من الخلف وأنت طفل فتقع على قطعة الاثار مع تعالي اصوات الصبية بالفرح والسخرية من يقع، فيما كان الرجل وزوجته صبوران مركزان على عملهما يبتسمون دائما مهما فعل الاطفال ، لكن ينخفض صوتنا المزعج لهما أو ربما المريح لهما لم اعلم لماذا يبتسمون واهلنا اذا سمعوا صوتنا نضحك او نلعب يقطبون حواجبهم أو يصرخون بصوت عال بكلمة "اسكت"؟!، لم يسكت الاطفال تحت ظل الشجرة وهم يفرحون بما يشاهدون ويلعبون حول الرجل وزوجته وقطعة الاثار ،كانت اصواتهم الطفولية واللعب تتعالى حتى رأوا ما يستحق السؤال في مخيلتهم ، كنا نتساءل ما هذا الذي ينفخ الهواء بقوة على قطعة الاثار أو (الحجارة) التي يقتنيها الاجنبي مثلما نقول قديما أو نسمي الاشياء هكذا وقت الطفولة ، فمخيلتنا الطفولية حينها لم تستوعب وجود جهاز كهربائي ينفخ الهواء بقوة ليبعد ذرات التراب عن القطعة الاثارية بسرعة دون لمسها حفاظا عليها، وقتها بقينا نتجمع حول الرجل وزوجته وهما يقومان بعلمها مدة كلما جلسا وقت الصباح أو الظهيرة أمام قطعة اثرية تحت شجرة الكالبتوز حتى نهض الرجل مرة وبيده منفاخ الهواء وقد اغلق نقطة الكهرباء بيده فلم يعد الهواء يخرج من الجهاز . قال : (من يأتي بخنفساء سوف تكون له جائزة ) وقد اخرج من جيبه قطعة نقود عراقية ملكية ولوح بها، ثم قذفها الى اعلى ومد راحة كفه فالتقطها بهدوء ، كان يتكلم اللهجة العراقية ويجيد اللغة العربية وعندما يتكلم مع زوجته كان يتكلم بالإنكليزية أما مع جبر الناطور العراقي الذي يساعده في عمله وتوفير ما يحتاج مقابل المال، فكان يتحدث معه بالإنكليزية تارة ومرة بالعربية .. ذهب إبن جبر الناطور، وهو أحد الأطفال المتجمهرين حول قطعة الآثار الجديدة، وذهب جميعنا خلفه نبحث عن خنفساء لنكسب المال من الرجل وزوجته تاركين إبن مدير محطة كهرباء عندهما تحت الشجرة الكبيرة ، كنت اركض سريعا وقد ابتعدت عن الاطفال كثيرا ، وقفت للحظة افكر "اين اجد اكبر من الخنفساء" حركت قدمي الحافية عن غير قصد أحسست أن حشرة تدب فوقها كنت افكر بالخنفساء نظرت بفرح غامرا الى قدمي واذا به عقرب صغير نفضت قدمي بقوة وعدت الى جمع الاطفال وسألتهم وجدتم "الخنفساء " ؟ ذهبنا نبحث عن خنفساء ، أما ابن مدير محطة الكهرباء فلم يقبل بالبحث عن الخنفساء على الرغم انه كان عراقيا مثلنا ، لقد كان يستمتع بالنظر الى عمل المنقب، كما كان ابيض البشرة وشعرة يميل الى لون الحناء ، كان مختلفا عنّا حتى في هذه اللعبة التي نكسب المال منها.. كان موعدنا أن نلتقي عند باب دار وتحت شجرة الكالبتوز عصرا ، من كل يوم وذات مرة جمعتُ ١٠ حشرات من الخنفساء المسكينة لكن استلمُت من رجل الاثار وقتها عشرة فلوس تلمع مثل الفضة ووجه ماء الشط تحت الشمس ، وبعد ان لمعت العشرة الفلوس بيدي لم اذهب بعيدا بقيتُ خلف جذع شجرة الكالبتوز الكبير، الذي كان يغطي رجلا حسبتُ عطسة كادت تكشفني، ابعدتُ انفي الملاصق لجذع الشجرة عن الجذع تنفستُ قليلا وبهدوء ثم وقفت كامنا ومبعدا أنفي الكبير عن جذع الشجرة لكي أرى ماذا يفعل الرجل بهذا العدد من الخنفساء المسكينة ، إذ قد جلب له الاطفال الكثير منها ، ذهب جميع الاطفال وبقي ابن مدير محطة الكهرباء معه ،ضحك الرجل بوجه الطفل الواقف امامه وأطلق جميع الخنفساء في الأرض نظر له الطفل وضحك أيضا ، التفتَ له الرجل بعد انهى عمله وقال : - لا تكن عاطفياً كثيرا ،أنت متعلم أفضل من الأطفال الآخرين، وتفكر بشكل جيد ،كن عالماً ، كن عاقلاً واختار عاطفتك لا تدع عاطفتك تختار لك ، لا تدع الغريزة تتغلب على عقلك، انت إنسان حر من نسل السومريين الذين بنوا وصنعوا اقدم عمل قام به الإنسان على كوكب الأرض. كانت عيون الطفل مبهورة كما عقله بهذا القول، لم يعرف كامل المعنى لكنه فهم أنه متعلم وهو يعلم بحاله يقرأ ويكتب، كما أحس أن عليه أن يفهم ما قاله الرجل لم يتردد في طلب التوضيح : - ما معنى ما قلته عن العاطفة والعقل والغريزة عند الإنسان ؟! وما علاقتها بالاختيار؟! - احفظ الكلام ودوّنه في دفترك عندما تعود للبيت ،وأسأل وأقرأ كثيرا هكذا سوف تتعلم وتعلم اكثر مني ، الأجوبة الجاهزة لا تصنع عالماً يفهم الاشياء، بل تصنع إنسان يحفظ لا يفكر ، مجرد أنه يحفظ القول أو يحفظ ما يقرأ ، ثم في القرآن الكريم عندكم (( افلا تتفكرون )) ، هل فهمت الآن - نعم فهمت شكراً لك جزيلا . كان وقتها قد اقترب وقت العصر من غروب الشمس لكنها ما زلت تلمع على ماء الشط القريب كأنها هبة ممن سكن وعاش في أرض سومر لقد عشت تلك اللحظة وأنا حائر انتظر ابن مدير الكهرباء ليعود الى بيتهم وسأله لماذا الرجل يعطي المال ويترك الخنفساء تذهب الى حال سبيلها ؟! لم يكن يدر بخلدي أننا كنا سذج حينها ولا بعد سنوات لم يكن يخطر ببالي أن الجميع يخدعنا بسبب جهلنا لم نكن نقرأ ولا نكتب لم يكن لدينا فكرة عن اهمية العلم ولا عن غيره كما لا نعلم شيئا عن الكون والعَالم والإنسان، بل لم أفهم معنى العلم بالأشياء كما كان ابن مدير محطة الكهرباء، الذي كان يعني الكثير على الرغم من أنه كان طفلا عراقيا مثلنا، لم افهم معنى ان يعطوك شيئا قليلا مما عندهم لكي يلهوك عمّا تريده أنت لا اقصد حادثة العشرة الفلوس وهي تلمع مثل قلادة الفضة السومرية التي وجدتها جدتي وظلت ترتديها طوال حياتها ، لم اقصد ذلك حتما بل اشياء كثيرة بعدها .. تنهد الرجل وأخرج زفرته ثم قال :( العلم) وهز رأسه يمينا وشمالا مع ثبات عقاله ويشماخه على رأسه ، و اسدل عباءته على ركبتيه وحرك الوسادة التي خلف ظهره واسنده لها الى حائط المضيف، تنتح قليلا ثم أخذ يرتشف الماء من طاسة امامه، سأله أحد الحاضرين من وسط الجلسة الريفية (ابو محمد . . وبعدين ليش البريطاني يسوي هيج ؟!) ارجع طاسة الماء الى مكانها ، والتفت الى جلاسه في المضيف : (كان يريد أن يبعد الاطفال عن مكان عمله مدة اطول لكي يعمل دون ازعاجهم هذه طريقة كانت تسعد الأطفال وكان هو سعيدا جدا بما يحصل عليه من وقت في عمله دون ازعاجهم ، ثم يحقق سعادته الاكبر عندما يأخذ آثارنا الى بلاده ، فهي موجودة الآن في المتحف البريطاني .) رنّ الهاتف النقال لأحدهم.. : (أبو محمد ..ابو محمد ، مدير الآثار عنده زيارة للمنطقة ..) |
| المشـاهدات 20 تاريخ الإضافـة 26/10/2025 رقم المحتوى 67722 |
توقيـت بغداد









