الوعي السياسي وفرضية خسارة الأغلبية البرلمانية
![]() |
| الوعي السياسي وفرضية خسارة الأغلبية البرلمانية |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب سالم رحيم عبد المحسن |
| النـص : الوعي السياسي هو نقطة التحول في كل قضية مصيرية، لأنه لا يقتصر على الفهم السطحي للأحداث، بل يمتد إلى إدراك الأبعاد والنتائج، واستيعاب ما يدور خلف الكواليس من مصالح وتشابكات. إنه ليس انفعالًا عاطفيًا أو ردّة فعل مؤقتة، بل معرفة واعية تغيّر المفاهيم وتبني القناعات على أساس الفهم لا التسرّع.وهنا يتجلى دور المثقف الواعي، بوصفه البوصلة التي توجه الرأي العام وتكشف ما يُخفى في المشهد السياسي، لتجعل المتلقي أكثر قدرة على التمييز بين الحقيقة والتزييف، وبين المصلحة العامة والمكاسب الشخصية. فالمجتمعات لا تنهض بالشعارات، بل بالعقول التي تدرك وتختار وتتحمل مسؤولية قرارها.إن الانتخابات في جوهرها ليست صراعًا على السلطة، بل تفويضًا شعبيًا لمن يراهم الناس أمناء على مصالحهم، قادرين على تحمّل أمانة الحكم التي قال عنها تعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا."غير أن غياب الوعي السياسي يجعل العملية الانتخابية تفقد معناها الحقيقي، إذ يتحول التصويت إلى ولاءٍ عاطفي أو مصلحي، فتصبح الأغلبية مجرّد رقم بلا مضمون، وتخسر ثقلها السياسي قبل أن تخسر مقاعدها البرلمانية.وفي المشهد العراقي، يبدو أن المكوّن الأكبر مهدد بخسارة أغلبيته البرلمانية، لا بسبب مؤامرات خارجية فحسب، بل نتيجة العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات. وهذه الخسارة – إن حدثت – ستكون قانونية وشرعية في ظاهرها، لكنها سياسية في جوهرها، لأن صناديق الاقتراع هي وحدها التي تمنح الشرعية وتحدد مَن يحكم.إن الوعي الانتخابي هو الحدّ الفاصل بين المشاركة الواعية والمقاطعة العقيمة. فحين ينسحب الواعون، يفسحون المجال أمام من لا يمتلكون مشروعًا وطنيًا حقيقيًا، فتتحول خسارة الأغلبية إلى خسارة للوطن نفسه، لأن الأغلبية التي تهمل صوتها تسلّم مصيرها لغيرها.فالشرعية الحقيقية لا تُقاس بالقوانين وحدها، بل بمقدار وعي الشعب وقدرته على توجيه القانون نحو العدالة والحق. وإذا غاب هذا الوعي، تحولت الديمقراطية إلى واجهة شكلية تخلو من المضمون. لذا فإن المشاركة في الانتخابات ليست مجرّد واجب وطني، بل فعل مقاومة سلمية للدفاع عن الهوية والوجود، وعن التوازن السياسي الذي يحمي الجميع.إن من يبتعد عن صناديق الاقتراع ظنًّا أنه يحتجّ، قد يسهم دون قصدٍ في تثبيت واقعٍ لا يرضاه. فالمقاطعة، حين تُفرغ من الوعي، تصبح أداةً بيد الآخرين. أما المشاركة الواعية فهي الوسيلة الأنجع للإصلاح والتغيير، لأنها تُعبّر عن إرادةٍ مسؤولة لا عن غضبٍ عابر.ولا أنكر وجود الخلل والفساد في المشهد السياسي، لكنه لن يُصلح نفسه بالفراغ، بل بالمشاركة والنقد البنّاء، وبإيجاد البديل القادر على حمل مشروع الدولة لا مشروع الفرد أو الحزب.إنني لم أفقد الأمل بعد، لأن في هذا الوطن شعبًا حيًّا وضميرًا يقظًا، وإذا ما حضر الوعي ونهضت الإرادة، فإن الإصلاح قادم لا محالة، فـ الله يفعل ما يريد.
|
| المشـاهدات 45 تاريخ الإضافـة 28/10/2025 رقم المحتوى 67735 |
توقيـت بغداد









