«ثانية لا يجيء الملك»…
النص المسرحي وثيقة فكرية وجمالية![]() |
| «ثانية لا يجيء الملك»… النص المسرحي وثيقة فكرية وجمالية |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
كتابة/طالب كريم حسن في زمنٍ تتراجع فيه مكانة المسرح أمام طغيان الصورة وسرعة الإيقاع، يواصل الكاتب شوقي كريم حسن مشروعه الثقافي بإصرار لافت، عبر إصدارات مسرحية جديدة تكرّس فكرة «المسرح المقروء» بوصفه مساحة للتأمل والسؤال والفكر، لا مجرد فعلٍ فرجوي على الخشبة. أحدث هذه الإصدارات، كتابه «ثانية لا يجيء الملك ومسرحيات أُخر» الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة، يضم عدداً من النصوص التي تكشف عن نضج تجربته وتنوّع رؤيته، منها: وشوشة، وقاحات خربة، ونفيسة. يأتي هذا العمل في سياق مشروع متواصل بدأه شوقي كريم حسن منذ عقود، مشروع يقوم على إعادة الاعتبار للنص المسرحي بوصفه نصاً أدبياً مستقلاً، يمكن أن يُقرأ ويُحلَّل ويُستمتع به حتى خارج فضاء العرض. وهو بذلك يعيدنا إلى جذور المسرح الأولى، يوم كان «القول» قبل «الفعل»، والكلمة قبل الحركة. فالمسرح في جوهره – كما يرى الكاتب – نصٌّ يستبطن الفكر ويثير الأسئلة ويستدرج القارئ إلى فضاء من التأمل النقدي، ولا يقتصر وجوده على ما يحدث على الخشبة.تحمل مسرحية «ثانية لا يجيء الملك» – التي جعلها عنواناً للمجموعة – دلالات عميقة على مستوى الفكرة والبناء معاً. فهي نص يشتبك مع السلطة والانتظار والغياب، ويجعل من «الملك» رمزاً متعدّد الأبعاد: الحاكم، الخلاص، العدالة المؤجلة، والحقيقة التي لا تأتي. وفي هذا الاشتباك، يستثمر شوقي كريم أدوات المسرح – الحوار، الصراع، الموقف – ليصوغ وثيقة فكرية تعكس قلق الإنسان العربي وأسئلته الوجودية والسياسية في آنٍ واحد. أما في المسرحيات الأخرى مثل وشوشة ووقاحات خربة ونفيسة، فيواصل الكاتب اشتغاله على التفاصيل الاجتماعية والنفسية، ويقدّم شخصيات مأزومة، محطّمة أو متمرّدة، تواجه واقعاً مختلاً بأساليب مختلفة. وهذه النصوص تكشف عن تنوّع الأساليب السردية والحوارية لديه، وعن نزعة واضحة إلى توظيف المسرح كأداة فضح وتعريّة، لا كوسيلة تسلية فقط.تكمن أهمية هذا العمل، إذن، في أمرين أساسيين: أولاً، في إصراره على منح النص المسرحي حياةً ثانية في عالم القراءة، في زمنٍ بات النص فيه تابعاً للعرض. وثانياً، في الدور الذي يؤديه هذا النوع من الكتابة في توثيق التحوّلات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها الواقع العربي. فالنصوص هنا ليست مجرد «حكايات» بل وثائق جمالية تعكس روح عصرها وتضيء على مكامن العطب فيه.من خلال هذا المنجز، يؤكد شوقي كريم حسن أن المسرح ليس رهين الخشبة، وأن النص المسرحي لا يفقد قيمته حين يُقرأ، بل ربما يكتسب بعداً أعمق، لأنه يمنح القارئ فرصة التأمل وإعادة القراءة ونسج المعنى بطريقته الخاصة. إنه يقدّم «مسرحاً آخر» يعيش في الذاكرة والوعي، لا في قاعة العرض فقط، ويمنح الأدب المسرحي حقه بوصفه جنساً أدبياً قائماً بذاته. وهكذا، فإن «ثانية لا يجيء الملك ومسرحيات أُخر» ليست مجرد مجموعة نصوص جديدة، بل خطوة إضافية في مشروع ثقافي يؤمن بأن المسرح فعل فكرٍ وسؤالٍ وجمال، وبأن النص، حتى وهو صامت على الورق، قادرٌ على أن يوقظ وعياً ويحرّك ساكناً ويعيد طرح الأسئلة الكبرى. إنها شهادة على أن المسرح المقروء، في يد كاتب مثل شوقي كريم حسن، لا يقلّ حيوية وتأثيراً عن أي عرضٍ حيّ على الخشبة. |
| المشـاهدات 16 تاريخ الإضافـة 02/11/2025 رقم المحتوى 67902 |
توقيـت بغداد









