| النـص :  الثابت أن الغرائز في نفس الإنسان يتم تهذيبها بالتربية والتوجيه نحو الالتزام بالقيم الإنسانية وذلك منذ الطفولة، والتي تعمل بعد تثبيتها كمحركات وموجهات لسلوك الإنسان في الحياة نحو فعل الخير والصحيح؛ لاستقرار نفس الإنسان والأسرة والمجتمع.وأن مهمة تنقية النفس الإنسانية من الشوائب وتوجيهها نحو الصواب والعرف المستحسن واحترام القانون الذي وُجد أساسًا لحماية القيم الإنسانية يقع على عاتق الوالدين والمربين وغرسها من قبلهم، والمدرسة تتبنى ترسيخها وسقيها، وفي المجتمع تأتي أُكلها. للتفاصيل اكثر انظر: ( د. رمسيس بهنام، الجريمة والمجرم في الواقع الكوني، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1996، ص134-150).ولذلك وجد القانون لضمان الحقوق والحريات للافراد من خلال حماية القيم وفرض جزاء على من يخالفها او ينتهك حرمتها. ونذكر نماذج من القيم: العدل، والعدالة، والأمانة، والصدق، والاحترام، والحياء، والرحمة، والوفاء بالعهد...إلخ. ويظهر كل ذلك في تعريف القانون، والذي عُرف بانه: "مجموعة قواعد السلوك العامة الملزمة للأفراد في المجتمع، والتي تنظم العلاقات والروابط، ويناط كفالة إحترامها من خلال الجزاء الذي توقعه السلطة العامة على من يخالفها". ومعلوم انها تصدر من السلطة التشريعية في الدولة. انظر:(د. محمد حسنين منصور، المدخل إلى دراسة القاعدة القانونية، منشورات الحلبي الحقوقية، الطبعة الأولى، 2010، ص7). وإن المصادر التي يستمد منها القانون قواعده هي: التشريع، والدين، والعرف، ومبادئ القانون الطبيعي، وقواعد العدالة، والفقه القانوني، والقضاء. انظر:(د. محمد حسنين منصور، مرجع سابق، ص 110). ونحاول ذكر بعض منها بإيجاز:إذ يُلاحظ أن الشرائع السماوية التي ظهرت بين الناس من خلال إرسال الرسل والأنبياء عليهم السلام من قبل خالقنا الله رب العالمين -سبحانه وتعالى- للبشرية، وخاتمتها الشريعة الإسلامية جميعها تؤكد في كثير من المواضع على تطبيق القيم كمعيار وميزان للحكم على السلوك وفض النزاعات، نذكر مثالين منها وذلك لعدم الإسهاب قدر الإمكان: قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (58) سورة النساء. و(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ). آية 1 سورة المائدة. وقال سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وهناك كثير من الأحاديث التي تؤكد على أن الأخلاق الحسنة هي أساس فلاح الإنسان، ولكن لعدم الإسهاب في هذا المقام اقتصرنا على ذكر الحديث أعلاه فقط.وكذلك أكدت الاتفاقيات الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 على ذلك، وهذا الأخير بنوده ملزمة لكافة الدول بموجب المادة 1/3 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة، إذ حثت جميع الدول على وضع هذا الإعلان نصب أعينهم عند كتابة دساتيرهم وقوانينهم.فأغلب نصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على الالتزام بضمان تطبيق العدل والعدالة في المحاكم والمؤسسات الحكومية وضمان احترام القيم والنظام العام، نذكر منها ما نصت عليه المادة 29/ 2: "لا يُخضع أيُّ فرد، في ممارسة حقوقه وحرِّياته، إلاَّ للقيود التي يقرِّرها القانونُ مستهدفًا منها، حصرًا، ضمانَ الاعتراف الواجب بحقوق وحرِّيات الآخرين واحترامها، وتلبية المقتضيات العادلة للفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي".ويُلاحظ في الدستور العراقي الصادر عام 2005 النافذ، أنه حث على احترام القيم في مواضع عدة، نذكر منها: المادة 29/ أولا/ 1 (الأسرة أساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها، وقيمها الدينية، والأخلاقية والوطنية). والمادة 19/ سادسا (لكل فرد الحق في أن يعامل معاملة عادلة في الإجراءات القضائية والإدارية). وكذلك في المواد (14- 19) من الدستور.ومن خلال البحث في فروع القانون المختلفة (القانون المدني، التجاري، الأحوال الشخصية، القانون الجنائي...إلخ) لاحظنا أن جميعها توجه سلوك الإنسان نحو السير وفق معيار ثابت غايته استقرار المعاملات والمجتمع بشكل عام، والى جانب ذلك، توجد نصوص قانونية أخرى تشير بشكل مباشر إلى احترام تطبيق القيم الإنسانية، وفي حال مخالفة ذلك تفرض عقوبات إدارية وجزائية نذكر منها: ما جاء في قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 المعدل النافذ في المادة 4: يلتزم الموظف بالواجبات الآتية/ أولا: "أداء أعمال وظيفته بنفسه بأمانة وشعور بالمسؤولية". وعدم السماح بالمتاجرة بالوظيفة العامة ومن صورها: قبول الهدايا والمكافآت، أو الحصول على منفعة...إلخ (م 5 من القانون أعلاه). والالتزام بوقت الحضور والانصراف لتحقيق غاية الوظيفة العامة ألا وهي تقديم الخدمة العامة للمواطنين. وكذلك أكد على أداء الواجب بإتقان، وقيمة الاحترام سواء بحق الموظفين أو المراجعين- وضحنا ذلك في مواضيع سابقة. انظر( د. عماد يوسف خورشيد، نفائس قانونية وقيم انسانية، الجزء الاول، دار هاتريك لطباعة والنشر، اربيل، 2026، ص 21-31). وقد حمى قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل النافذ في أغلب نصوصه القيم الإنسانية نذكر منها: انه جرّم خيانة الأمانة في المادة 453. وجريمة فعل الاختلاس في المواد(415-420). وجرم الافعال المخلة بالحياء والآداب العامة في المواد (393-404). واكد كذلك قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1973 المعدل النافذ على ذلك ايضا باعتبارها القانون الذي يحمي الحقوق والحريات الاساسية للافراد في اغلب مواده. ويُلاحظ في الفقه القانوني الأمريكي أنه يتجه نحو حماية القيم الإنسانية بالقول: "ضرورة أن تذهب محاكمنا إلى أداء دورها التربوي الكبير في حماية الحقوق والحريات الأساسية للناس". ويتمثل ذلك في أن يكون رجال إنفاذ القانون القدوة في تطبيق القانون واحترامه، واستبعاد أي إجراء أو دليل لم يتم الحصول عليه بشكل غير مشروع. وبذلك يتم تشجيع المجتمع بالتمسك بالقيم الإنسانية. (د. عماد يوسف خورشيد، مدى حجية الأدلة المتحصلة بطرق غير مشروعة، دار الأهرام للنشر والتوزيع للإصدارات القانونية، القاهرة، 2025، ص 249).وكذلك ثبت علميًا أن الأحكام القضائية تساعد في تثبيت القيم الإنسانية في المجتمع، لاستناد الحكم على بيان الواقعة بشكل دقيق وتطبيق القانون ومبادئ الأحكام القضائية والعرف ومبادئ العدالة وآراء الفقه القانوني السليم الذي يمثل روح القيم الإنسانية وما ينفع الناس، وكيف لا والسلطة القضائية رمز العدالة، ورقي الأمة، وحامية الحقوق والحريات، وفي أغلب الأحيان تتحول مبادئ الاحكام القضائية الثابتة إلى قانون. انظر: (د. عماد يوسف خورشيد، تقنين الأحكام القضائية الصادرة من محكمة التمييز ومحاكم الاستئناف بصفتها التمييزية، دراسة مقارنة، مكتبة التشريع القانونية، بغداد، 2025، الطبعة الثانية، ص50).وتأسيسًا على ما تقدم، فإن روح القانون يظهر في حمايته للقيم الإنسانية باعتبارها المعيار الصحيح والمقبول في الإنسانية لاستقرار المعاملات بين الناس. لذا يكون بيان روح القانون في التطبيق السليم له، ورفض أي سلوك يخالف القيم والقاعدة القانونية من قبل الموظفين ومن كل من ينفذ القانون؛ لأن مخالفة القانون من قبل الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة سواء من خلال التفسير الخاطئ الذي يخرج القانون عن مقصده، أو التطبيق الذي يجانب الصواب يعد هدمًا للقيم وقتلًا لروحه الذي وُجد لمصلحة الإنسان.خلاصة القول، أن القيم الإنسانية تؤتي أُكلها في المجتمع لمنع تضارب المصالح بين الأفراد، وتكون هي المعيار والميزان عند تضاربها. ومعلوم ان هناك وسائل عدة لترسيخها في المجتمع، نرى من أهمها في الوقت الراهن: ضرورة أن يكون الموظف والمكلف بخدمة عامة على علم بأن له الدور الكبير في تثبيت دعائم القيم من خلال التفسير والتطبيق السليم للقانون بشكل عام، وخاصة عند ممارسة السلطة التقديرية التي مُنحت له، وعدم التعسف في ذلك، وأن أي خطأ في ذلك يعني تشكيل قدوة سيئة من قبله للمجتمع، وبذلك يهدم ما تعلمه الإنسان في الأسرة والمدرسة والجامعة من التحلي بالقيم، لذلك من باب أولى أن يتحلى به الموظف، لأن الدولة بكافة مؤسساتها هي التي تسن وتطبق القانون والموظف يعد مرآة الدولة في تطبيق القانون، لذا يستلزم أن يكون قدوة حسنة عن تشريع القانون وتطبيقه وتفسيره على الوقائع، ويكون تطبيق كل ما تقدم من خلال تثقيف الموظف والمكلف بخدمة عامة بذلك من خلال التوعية المستمرة في الصحف والمجلات والندوات والدورات ومواقع التواصل الاجتماعي.  
 |