الأربعاء 2025/11/5 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 23.95 مئويـة
نيوز بار
صوت المرأة… ذاكرة حضارة ومشروع وطن
صوت المرأة… ذاكرة حضارة ومشروع وطن
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رجاء فرج
النـص :

 

 

 

يستدعي بناء الحضارة بعداً ثقافياً وقانونياً وعلمياً ، وهذا لا يأتي من باب الصدفة الحضارية بل يقوم على البناء المجتمعي الرصين واسس تكوينه الذي يشتمل على الحضور الفاعل والمؤثر للرجل والمرأة ، واذا نرى ممارسات ديمقراطية متنوعة مثل حرية التعبير والانتخاب ، فان هذا الامر يجعل من منسوب الانتماء عاليا لدى المواطن وحريته المشروطة بالفهم العام لمصالح الوطن والمواطن ، واذ نعيش كل اربع سنوات تجربة الانتخابات النيابية ، يقفر امامنا سؤالاً جوهريا ، ما دور المرأة في هذه التجربة ؟ هل هو دور تزويقي او بنيوي ؟ هل المرأة ناجحة في تحمل صناعة القرارات والتصويت عليها من دون تابعية .اسئلة ضرورية للوصول الى مناخ معتدل في التفكير والعمل ازاء واقع المرأة العراقية من موضوع مشاركتها في الترشيح والانتخاب ..واذ تعيش المرأة العراقية حضورا معقولا في الحياة السياسية الراهنة ، فان نظرة عامة تبين ان المرأة  كان لها الاثر الفاعل قديما وًحاضراً ، فالمرأة  في الحضارة العراقية القديمة كان لها دوراً مميزاً في الحياة العامة  ، فهي سيدة المعابد وشريكة في الملاحم ففي كل موسم انتخابي تمتلئ شوارع العراق بصور نساء قررن أن يخضن تجربة الترشيح للبرلمان بعض الناس يجدونها مجرد موجة أو موضة انتخابية لكن الحقيقة أنها أعمق من منافسة سياسية لأن المرأة اليوم أصبحت تعي وجودها ولن تكون هامشاً في المشهد بل جزءً من صناعته منذ زمن كان صوتها غائباً  واليوم  تقف في الواجهة لا لتصفق أو تزين الحملات بل لتكون صاحبة قرار وتثبت وجودها المرأة لا تبحث عن سلطة شخصية بقدر ما تبحث عن اعتراف بمكانتها ودورها كشريكة في رسم صورة الوطن الذي حلمت به سنين طويلة وما يسميه البعض هوساً  بالترشيح هو في الحقيقة رغبة متراكمة في الوجود وإصرار على كسر الصورة النمطية التي حبستها بين جدران المنزل ..هذا الاندفاع النسوي لم يأت من فراغ فجذوره تمتد إلى الحضارات الأولى التي عرفها العراق كانت عشتار رمز القوة والحب والحرب تقود الجيوش وتفاوض الملوك مثلما كانت حتشبسوت في مصر القديمة تتحدى رجال الدين وتجلس على العرش لتثبت أن القيادة ليست حكراً  على الرجال وحدهم وكليوباترا استخدمت ذكاءها ودبلوماسيتها لتحافظ على بلدها لم تكن تلك النساء مجرد أساطير بل أثبتن أن الحكم يمكن أن يقوم على الحكمة لا على القوة واليوم حين تقف المرأة العراقية على المنصة لتعلن ترشحها فهي بطريقة أو بأخرى تستدعي ميراث عشتار وحتشبسوت وتربط الماضي بالحاضر ان التجربة السياسية النسائية في العراق ما زالت تواجه تحديات كثيرة ففي الدورات السابقة لم يكن للبرلمانيات صوت حقيقي للمرأة والطفل بعضهن انشغلن بالكتل والانتماءات وغاب التأثير الإنساني الذي كنا ننتظره ولهذا نحتاج نموذجاً جديداً لامرأة سياسية مستقلة في موقفها تضع المصلحة العامة فوق الانتماءات حتى تستعيد ثقة الناس من جديد نحن نريد اليوم أن تكون كل مرشحة صوت للمرأة والطفل في العراق لا رقماً  في قائمة ولا واجهة حزبية نريدها أن تتبنى قضايا التعليم والصحة والعنف الأسري والفقر وتعمل بجد حتى نشعر أن صوتها يمثل فعلاً  الفئات الأضعف.. البرلمان يحتاج إلى نساء يشرعن ويعملن في الميدان لا مجرد حضور للجلسات نريد حضوراً  حقيقياً يغير حياة الناس ان هذه  المسؤولية كبيرة لكنها أيضاً فرصة لتثبت المرأة أنها قادرة على أن تكون صانعة قرار  في مجتمع ينتظر العدالة والمساواة… الترشيح النسوي حرّك شعوراً  جميلاً  داخل المجتمع لأنه من كان يظن أن السياسة حكر على الرجال بدأ يعيد النظر حين رأى نساء يقفن بثقة على المنصات ويتحدثن بشجاعة حتى في القرى والمدن الصغيرة.. أصبح مفهوم القوة مختلفاً  لم يعد يعني الصوت العالي بل الصبر والإقناع والعمل بهدوء نحو هدف أكبر من الذات لكن الطريق السياسي صعب لأن المجتمع ما زال متردداً  بين التشجيع والشك والإعلام أحياناً  يركز على الأخطاء أكثر من الأفكار والسياسة نفسها ميدان معقد مليء بالمال والتحالفات التي تختبر النزاهة كل يوم.. ورغم كل شيء هناك نساء يواصلن طريقهن بثقة يحملن ملفات القوانين بدل المظاهر والأفعال  بدل الشعارات… وجود المرأة في الانتخابات بدأ يعيد التوازن للمشهد فعندما يرى المجتمع امرأة ترشح وأخرى تناقش وثالثة تناضل يبدأ يتصالح مع فكرة أن القيادة ممكن أن تكون للرجل والمرأة معاً  وأجمل ما في هذا أن الجيل الجديد من الفتيات بدأ يشعر أن السياسة ليست خصومة بل بناء وأن الوطن يحتاج إلى صوت كل فئاته التغيير بطيء لكنه موجود المرأة اليوم بدأت تفتح ملفات كانت منسية مثل العنف الأسري والتعليم وحقوق الأطفال وأصبح هدفها أكبر من الكرسي صار رغبة حقيقية في إصلاح الوطن وبناء ثقافة مسؤولية جديدة.. وفي النهاية حين تصعد المرشحة العراقية المنصة لتخاطب جمهورها كأن عشتار تعود من غيابها الطويل لكن هذه المرة ليست من المعبد بل من بين الناس من البرلمان تطلب عدلاً  لوطن أنهكته الحروب والخيبات.. هي لا ترفع شعاراً  بقدر ما تتمنى  أن تكون شريكة حقيقية في بناء العراق الجديد وعندما تضع اسمها بين أسماء المرشحين فهي لا تمثل نفسها فقط بل تمثل ذاكرة الحضارة والمستقبل   العراقي كله من الإلهة القديمة إلى الطفلة التي تحلم بمستقبل يليق بها… وما يسميه البعض هوساً  بالترشيح هو في الحقيقة عودة الوعي إلى مركز القرار وعودة الأمل إلى السياسة لأن المرأة تذكرنا أن الحياة لا تستمر ولا تزدهر إلا عندما يكون فيها تعاون وتوازن بين القوة والرحمة بين القلب والعقل بين الرجل والمرأة معاً … فالمرأة حين تختار أن تكون في موقع القرار، فإنها لا تمثل نفسها فقط، بل تمثل مستقبل وطن بأكمله.

المشـاهدات 49   تاريخ الإضافـة 04/11/2025   رقم المحتوى 67975
أضف تقييـم