الأربعاء 2025/12/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 15.95 مئويـة
نيوز بار
هواءٌ يُتعب الروح
هواءٌ يُتعب الروح
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب كتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

ثمة شيء يتسلل إلينا بلا ضجيج… شيء لا يسمّونه باسمه لأنه لا يترك كدمات على الجلد، بل على الداخل. تبدأ الحكاية حين تُجبَر، في صباح عادي، على أن تخون نبضك وتُمثّل دور الإنسان "المطمئن" بينما قلبك أشبه بآلة صدئة تئنّ في الظلام.

 

ليس الأمر ضربة مفاجئة، ولا صفعة من يدٍ غليظة، بل سلسلة يومية من التفاصيل القاتلة: مدينة تختبرك في كل خطوة، وطرقٌ تحس فيها أن الليل ليس وقتاً، بل مزاجاً يحوم حولك بحذر.

تتشمم الهواء فتشعر أنّه يحمل أثقالاً لا تُرى،

وتأكل ما يشبه الطعام لا لأنه يشبه الحياة، بل لأنه الشيء المتاح.

 

ثم تعود إلى بيتٍ لا يزيدك أماناً،

سقف واطئ، جدران تشيخ أسرع منك،

وأحلام تتكدّس في زاوية مثل أثاث قديم لا تجرؤ على رميه ولا على استخدامه.

 

وحين تقف آخر الشهر لمعادلة ميزان الجيب،

تشعر أنك لست موظفاً…

بل عدّاء يركض حول نفسه.

تتردد أمام قميص بسيط وكأنك تفاوض الوقت،

تقاوم رغبة في شراء هدية لأنها تبدو نوعاً من الرفاهية الفاضحة،

وتتعلم كيف تُطفئ رغباتك كما تطفئ الأنوار حين ينقطع التيار.

 

ومع الوقت، تخسر شيئاً أخطر من المال:

تفقد ملامحك.

تصير نسخة مخصصة للاستخدام اليومي،

نسخة تتكلّم بمنطقهــم، وتضحك حين يُطلب منها،

وتتقمص دور الرجل "اللائق" كي لا ينهشها حكم الآخرين.

 

وفي الخارج، تتعامل مع وجوه تتبدل بسرعة الطقس:

معلم يصرخ لأن الصراخ أسهل من التعليم،

سائق يظن أن العالم وُضع تحت قدميه،

موظف متنفّس يشعر أن توقيعه قدرٌ من أقدارك.

والأخطر من كل هؤلاء…

ذاك الشخص القريب الذي يفسر الحب على أنه سلطة،

والاهتمام على أنه امتياز يمنحه أو يسحبه متى شاء.

 

ثم هناك ذلك القلق الصامت،

الذي يتحرك في الجسد مثل حيوان ليلي:

يوقظك قبل الفجر،

يذكّرك بما لم ترتكبه،

ويُقنعك أن كل الطرق قد تنتهي فجأة عند باب مجهول.

 

كل هذا لا يسمونه عنفاً…

لكن الجسد يعرف.

والجسد لا يجامل.

يسجّل كل ارتعاشة، كل انحناءة، كل صمت ابتلعته على مضض،

حتى يتحول قلبك إلى دفتر ملاحظات مكتوب بخط مائل متعب.

 

وفي النهاية…

لا يسقط الإنسان لأنه ضعف،

بل لأنه حُمّل بما يفوق طاقته،

وبقي يبتسم كي لا ينهار أحد فوقه.

 

وهكذا ينطفئ الناس هنا:

ليس بالرصاص،

بل بالتراكم.

لا بخنجر،

بل بنفس طويل ملوّث.

لا بحدث صاخب،

بل بخيبة صغيرة تتكرر كخطرٍ منزلي… حتى آخر العمر.

المشـاهدات 40   تاريخ الإضافـة 02/12/2025   رقم المحتوى 68645
أضف تقييـم