الأربعاء 2025/12/10 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 14.95 مئويـة
نيوز بار
جماسي وقيامة تقويض اللغز
جماسي وقيامة تقويض اللغز
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

  

اسماعيل ابراهيم عبد

الجزء الثالث

ثالثاً : سيزيف يُعَمِّد السرد

  خامساً : مؤثثات المرئي

المرئي والمحسوس به , من الأشياء والأسماء والهيئات والحالات جميعها تؤلف العالم السردي منظوراً إليه كحيز لفضاء مُتَصرَّف به حين وضعه بموضع التأثيث. أي بموضع أن يكون الحدث المالئ لفجوات ومساحات الروي عنصراً يخلق جو القص إجرائياً , بمحاولة لخلق عالم حيوي بأكثر مما في الكلام والسلوك " المُحَيَّن " من الحوادث , بشكل جذاب وممتع , متجاوزاً للتاريخ عبر سرد يقوم بمهمة التأثيث بالأدوات والحكي , كونه طاقة متبادلة بين المتلقي والقصاص . لنتدرج بذلك عبر مؤثثات المرئي الساكنة والمتحركة , إذ أن هذه المؤثثات تُعنى بالأماكن الثابتة والمتحركة التي تتعاضد وظائفها لإداء المهمات الآتية :  

1ـ تفريغ المحتوى الذهني من صفة التذكر الى هيئة شبه واقعية عن طريق الروي , مثلما في/

[النسيان زبد يصنعه المد ... يقضم هائجا أو رقراقاً بتشفً والتذاذ حياتنا الرملية... فيما اتنوح الريح شاكية ملتاعة لتدمع الشموع...]([1]).

* هذه حالة تؤثث ذهنية وذهالية الكتابة , تتحول لاحقاً ـ لذات المشهد من قصة بناة العدم ـ الى عنصر يؤثث السرد في/

[غيبت متاهة الدروب ... اسلافي البنائين ... وقد طال الغياب أبي]([2]).  

2ـ إقحام الأحداث في مواجهات التصادم الفعّال لمحركات السرد البيئية بجعلها مضفورة معاً بحسب رؤى مخمّنة من قِبل القارئ مثلما في /

[راحت الجماجم تتقافز يطوح بها هسيس مسموع تطلقه الريح  ... ولما صارت تتجمهر وتدنو مني , اعترتني قشعريرة رعب شملت بدني كله...وجدت ان لا مناص من الهرب , هرولت طويلاً وفي أثري ريح مشحونة بعواء موحش تحت سماء أمست تتعتم متدرجة. عثرتُ بربوة فسقطتُ]([3]).

* مثلما يُرى فان المقطع السابق يتحمل تأويلات عديدة لما يخمنه القارئ الواحد . اذ ان العناصر المؤثثة لمنطق السرد تجمع الحكاية والرمز والكهانة والسخرية بضفيرة تقنية دلالية تتجاوز الحدث الى ما يصطدم به . أي ان المخبوء وراء الحدث ينقض ما يظهر من القول , وعبارة (عثرت بربوة) كافية لتجعل طاقة التكهن تضمر النقائض العديدة بين الارتفاع والانخفاض وبين الرقي والتصاغر القيمي والاخلاقي والرتبي .

3ـ الأماكن الثابتة والمتحركة لها أهمية كبرى في فتح الدلالة التاريخية على مجمل الحركة الفردية والجماعية , السياسية والاجتماعية . لدينا مقطع ـ لا يحتاج الى تفسير ـ سيحقق التوضيح , هو [اليد المبسوطة أعلى الطبقة السابعة من الزقورة , اليد الحانية الذائبة , واللحظة كفارزة في الزمن , تشف أطراف أناملها عن فيض قطرات عرق البنائين ودمائهم , يمهدون السبيل بيسر لهبوط الآلهة كيما تبتهج وأعراس مزعومة للمدينة .. ترى .. هل قدّرت تلك الآلهة المسترخية المترفة , مبلغ المكابدة وكثافة العناء , في جعل فارزة اللحظة تلك ذلك البرج العظيم؟.....لعلها ابتهجت لما رأت أثقال الآجر والصوان تقصم أوساط بنائي تاج محلها]([4]).    

سادساً : رؤى الإصغاء وما يشبهه     

هذه الرؤى مندمجة مع الفعل الحدثي من طرفه البعيد , انها تقارب عمل الديكور والخلفية للصورة الحدثية بطريقة تشييد ركائز ذات دلالات تبارك الاتجاه التلقائي للأفعال دونما تدخل مباشر . هي غور في فلسفة الوجود ووضعه بإزاء متعة فطرية فنية خالصة . لنتابع بعض مقاطع من قصة نشيج الفرص /

[يكمل (بوذا) دورته يومياً متنقلاً من قمة عمود الى قمة آخر من الأعمدة الأربعة والعشرين المحيطة بالمتنزه بمواظبة لا تخطئ أو تكل وليس من أحد يدري ان كان ينام أم لا , ومتى كان يأكل أو يشرب , أو كيف يقضي حاجته , فضلاً عن كونه لا يأبه لتقلبات الطقس أو المناخ , إذ ليس من أثر بادٍ لتلك التقلبات على هيئته . كذلك ليس في علم أحد من أين أتى ... هل ثمة أقارب له؟ بنات أو بنين؟ أخوال أو أعمام؟ ليس من أحد يعرف .. حتى الشيطان نفسه..]([5]).

لنتناول فحص المشد السابق عبر (تباعد اطراف الحدث , وركائز الديكور , وتلقائية التلقي , والمتعة الخالصة) .

ـ ان لمثل هذا المقطع رؤى تجعلنا نصغي الى المخفي وراء حيرة التقاط الحدث . عنده سنضع ركيزة الاصغاء المعرفي رهينة للغربة الروحية للمواطن المختلف , البطل الذي ينير العقل الانساني بتوق الخلود الأرضي الجسدي والروحي . ان بوذا مجسد ثابت إلا ان أفكاره متحركة من قمة الى أُخرى من المعارف والحضارات .  

ـ ان التباعد هذا يركز على مستوى الحدث بطرفه البعيد من جانب المصدر (المحفز) له , ثم الدلالة المركبة العميقة المترتبة عليه , وكل منهما يرتبط ببعده الخاص . بمعنى ان بوذا هو الطرف الأبعد كونه مصدراً محفزاً , وحركته هي ديكور وخلفية موجِّهة للتلقي .    

ـ ان اول المحفزات هو (بوذا) بتراثه العالمي , إذ تذكر موسوعة ويكيبيديا الالكترونية عنه الآتي :

"بوذا  مؤسس ديانة أو فلسفة البوذية (وهي أقرب إلى فلسفة الحياة منها إلى الدِّين حيث        لا تؤمن بإله ، وتقوم على التَّجرُّد والزُّهد تخلُّصاً من الشهوات والألم وطريقاً إلى الفناء التَّام ، وتقول بالتَّناسخ ومبدأ السببيَّة ، وتنكر البعث والحساب. ويلفظ اسمه أيضا (بودا أي الساهر أو اليقظ . وبوذا ليس اسم علم على شخص بعينه ، وإنما هو لقب ديني يعني العظيم والحكيم ، أو المستنير، أو ذو البصيرة النفاذة . وهو الذي يعلن طريقة خلاص البشر من دائرة الولادة المتكررة . وبوذا الحقيقي تزوج صغيراً ولما بلغ السادسة والعشرين هجر زوجته إلى الزهد والتقشف والتأمل في الكون وانتهج نهجا خاصاً في الكون ليتخلص الإنسان به من آلامه ودعا إلى ذلك كثيراً من الناس . تقول بعض الاساطير ان روح بوذا خالدة خلود الدهر"([6]).

ـ اما طرف التباعد الثاني فيعمد الى تطويع قيمة فلسفة العمارة للأعمدة الهندسية           الـ (24) , فهي كون حضاري تم استبصاره على أساس دمج الحضارات بفن متقدم , مظهره العمارة التي تم ترحيلها من المصريين الى المسلمين ثم الى اليونانيين , فأُوربا الحديثة تقليداً لامتداد ووظيفة جذوع الأشجار " هناك جدل حول ما إذا كان التخديد بالأعمدة قد استخدم أصلاً تقليدًاً لممارسات النجارة القديمة ، أو محاكاةً لعلامات القدوم على أعمدة خشبية مصنوعة من جذوع الأشجار ، أو مصممًاً لتقليد أشكال النباتات .              في كلا الحالين لم يخترعها اليونانيون الذين قاموا بنشرها ، بل تعلموها من الموكانيين أو المصريين. تحتوي الأعمدة الأيونية والكورنثية والمركبة تقليدياً على24عموداً([7]).

ـ وتلقائية التلقي تنتج عن اعطاء المتلقي حرية الفهم بأن يطرح أفكاره وتفسيراته الشخصية لما يجمع بين بوذا والأعمدة والمجهول الذي يحيط ببوذا.

ـ وبالجمع بين الموجهات الخاصة بـ (حيرة التأويل , وفلسفة التباعد , وقيمة الركائز وموضوعة الأعمدة , ومجهول انتماء بوذا) , سنصل الى متعة خالصة لا تتقيد بمنهج جمالي , إنما تتبع الطبيعة الحدسية , القريبة من ثقافة المتلقي , المُسْتَكْهِن بها من قبل الكاتب .

نحن كمتلقين يمكننا ان نتمتع بالمقطع أعلاه عندما نُكمل طاقته التعبيرية بالتتمة الآتية :

[ظلت كرة الثلج تكبر وتكبر حتى بلغت خلاصة ان بوذا ليس مجهولاً تماماً ... جلست على حافة سريره امازحه كيما ابث العزم فيه ... انني احتفظ له بزوجة بارعة الحسن ولا ينقص من جمالها شيء سوى ان اسمها مظلومة " مظلومة " .. وما ان نطقت الاسم , كأنما قرصته حية , استوى جالساً ... وصاح :ـ من ؟ أجبت مندهشاً : "مظلومة " ...

قال : طويلة كنخلة , بضة كقطن مندوف , عيناها ينابيع , شعرها أفياء , وجنتاها قمران, جبهتها جبل أشم , مشيتها مشية أميرة .. سألته مندهشاً أكثر : هل التقيتها؟! أجاب : نعم.. صديقي زوجها ... صفه لي .. فوصفه بنحو ان انت جردت (بوذا) من شعره الكث ولحيته المسترسلة ثم من اسماله كان هو .. هو لا غيره..!!]([8]). 

 

[1] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 60

[2] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 60

[3] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو :61

[4] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو : 61

[5] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو :80

[6] موسوعة ويكيبيديا الالكترونية في 20/12/ 2021

[7] موسوعة ويكيبيديا الالكترونية في 20/12/ 2021

[8] كاظم جماسي , كما لو كنا نولد للتو

المشـاهدات 32   تاريخ الإضافـة 10/12/2025   رقم المحتوى 68761
أضف تقييـم