رغم مرور أكثر من عشرين عامًا على قراءتي الأولى لكتاب مهزلة العقل البشري لعالم الاجتماع العراقي الشهير علي الوردي، غير أن جزءًا كبيرًا من مضامينه ومطالبه لا يزال راسخًا في الذهن لأهمية ما فيها، وطريقته الذكية في إيصالها بأسلوب شيق مليء بالقصص والحكايات المؤثرة.فقد ضرب لخرافة كثير من الأفكار وعدم واقعيتها وبالتالي عدم صلاحها للتطبيق، بحكاية اجتماع الفئران للتخلص من هجوم القط المتكرر الذي يتكلل باغتيال أحدهم في كل مرة!فاقترح عليهم أحد الفئران المتشدقين بأن يضعوا جرسًا في رقبة القط، حتى يدق ويخرج صوت التنبيه وهو يسير نحوهم مما يمكنهم من الهرب!استحسن أغلبهم الفكرة ووجدها تُحسب لصاحبها، غير أن أحدهم ممن يملك عقلًا نقديًا وواقعيًا، قال لهم إنها فكرة جميلة فعلًا، ولكن من منا قادر على تطبيقها ويمتلك جرأة وضع الجرس في رقبة القط!وجُم الفئران وسكتوا وعرفوا أن فكرة صاحبهم لا يمكن تطبيقها لأنه ليس فيهم فدائي يضحي بنفسه من أجلهم فيضع الجرس في رقبة القط!وبصراحة كثير من اجتماعاتنا الآن وتجمعاتنا تشبه اجتماع الفئران هذا، وإن كنت أشك أن كثيرًا من الداعين لها يعرفون نهاية الحكاية إلا أنهم يريدون أن يبنوا لأنفسهم عنوانًا يقبضون عليه ثمنًا!فقد لمستُ في مدينة الصويرة مثلًا بعد انتخابات البرلمان الأخيرة وخسارة جميع مرشحي المدينة، أن ظهرت تجمعات يقودها أشخاص لا فكر لهم ولا مركز اجتماعي ولا تأثير، من أجل أن يظهروا بمظهر القادة وسط التقاط الصور الكاذبة والمنشورات المزيفة، عسى أن ينجحوا في إقناع أحزابنا الموقرة التي ستهرع بعد سنة أو أكثر كي ترشح شعيط ومعيط من أجل ملء خزائن قوائمهم الانتخابية وتحصد من خلالهم حتى لو مجرد الصور والتجمعات!إننا نعاني من كثير من الفئران أصحاب مقترح وضع الجرس في رقبة القط، نسأل الله أن يقدم على تنفيذ فكرته ويأكله القط ونتخلص من هكذا فأر ساذج!