الإثنين 2025/12/22 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 13.95 مئويـة
نيوز بار
الإزاحة الجيلية..أزمة تأصيل أم اغتراب جيل؟
الإزاحة الجيلية..أزمة تأصيل أم اغتراب جيل؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب سالم رحيم عبد الحسن
النـص :

قبيل منتصف الليل، رنَّ هاتفي.  كان صديقي… وتلك المكالمة جاءت في وقتٍ كنتُ فيه بأمسّ الحاجة إلى من أحادثه وأُحاوره. فالليل، خصوصًا في فصل الشتاء، يمرّ ثقيلاً ومتثاقلاً على من تتنازعه الأفكار، وتحتشد في عقله وروحه أسئلة لا تجد طريقها إلى الإجابة.تحاذبنا الحديث، كعادتنا، عن أحوال الساحة السياسية، وما آلت إليه تطوراتها الأخيرة، وعن واقع المجاهدين وما انتهى إليه مسارهم، بين تضحياتٍ جسيمة ونتائج لم تكن دومًا بمستوى تلك التضحيات. غير أنّ ما استوقفني، وفتح بابًا واسعًا للنقاش، هو قناعة صديقي الراسخة بما يُسمّى بالإزاحة الجيلية داخل التنظيم الحركي.كان يؤمن بأن المرحلة تستدعي إفساح المجال الكامل لجيل الشباب، لا بوصفه شريكًا، بل بصفته البديل.  أما أنا، فكنتُ – ولا أزال – مقتنعًا بأنّ الأجيال لا تُزاح، بل تتداخل أدوارها؛ لكل جيل زمانه، ولكل مرحلة أدواتها، دون أن يعني ذلك إقصاء الخبرة أو القفز على التراكم.صحيحٌ أن الشباب يمتلكون قوّة الاندفاع، وسرعة الحركة، وجرأة اتخاذ القرار، لكنهم – في الغالب – لا يعرفون الطريق كما يعرفه المخضرمون. لا يعرفون تعرجاته، ولا كمائن الخيبة فيه، ولا أثمان الأخطاء التي دُفعت سابقًا من دمٍ وسمعة وتاريخ. فالقوة وحدها لا تصنع المسار، كما أن الحكمة وحدها لا تُنجز التحوّل.من هنا، فإنّ السؤال الحقيقي لا ينبغي أن يكون:   هل نُقصي الجيل السابق أم نُمكّن الجيل اللاحق؟  بل: هل نملك تأصيلًا فكريًا وتنظيميًا ناضجًا لإدارة التعدد الجيلي دون أن يتحوّل إلى صراع أو اغتراب؟ إنّ الإزاحة الجيلية، حين تُطرح خارج سياق التأصيل، تتحوّل من أداة تطوير إلى فعل إقصاء، ومن مشروع تجديد إلى حالة اغتراب. اغترابٌ يشعر فيه الجيل المؤسِّس بأنه أُقصي دون تقدير، ويشعر فيه الجيل الصاعد بأنه أُلقي في واجهة المشهد دون إعدادٍ كافٍ أو حماية فكرية.المشكلة، في جوهرها، ليست صراع أجيال، بل أزمة تأصيل.  تأصيل يحدد:  من يقود؟  ومن يُستشار؟  ومن يُمكَّن؟  ومتى يكون الانتقال طبيعيًا، لا قسريًا؟ فالتنظيم الحركي الذي يفشل في بناء منظومة تأصيلية واضحة لإدارة الأجيال، سيتحوّل – عاجلًا أم آجلًا – إلى كيان مأزوم، تتنازعه الرغبة في التجديد من جهة، والخوف من فقدان الهوية من جهة أخرى.إنّ أخطر ما في الإزاحة الجيلية غير المؤصَّلة، أنها تُنتج جيلًا مغتربًا عن تاريخه، وجيلًا سابقًا مغتربًا عن حاضره، وفي الحالتين نخسر البوصلة.نحن لا نحتاج إلى إزاحة جيلٍ بجيل،  بل إلى وصل جيلٍ بجيل،  وتحويل التجربة إلى رصيد، لا إلى عبء،  والطموح إلى طاقة، لا إلى فوضى. فالأمم لا تنهض بقطع ذاكرتها،  ولا التنظيمات تُستدام بإلغاء آبائها،  بل بتأصيلٍ حكيمٍ يجعل من تعاقب الأجيال فعلَ حياة… لا مشروع اغتراب.

المشـاهدات 43   تاريخ الإضافـة 21/12/2025   رقم المحتوى 69166
أضف تقييـم