الخميس 2025/12/25 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 8.95 مئويـة
نيوز بار
بين بغداد وكيغالي
بين بغداد وكيغالي
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب فراس الحمداني
النـص :

 

 

 

في كيغالي عاصمة رواندا قصة فريدة عن بلد قرر ان ينهض من تحت الرماد دون ان يلتفت الى الخلف مدينة هادئة منظمة تنبض بالحياة وتعكس تحولا" عميقا في دولة عرفت واحدا" من اكثر فصول القرن العشرين دموية لكن الروانديين اختاروا طريقا اخر طريق العمل الصامت والانضباط والرهان على الانسان .بعد الماساة الكبرى اعادت رواندا تعريف نفسها فأستثمرت في التعليم والتكنولوجيا والمصالحة الوطنية وفرضت سيادة القانون ووضعت هدفا" واضحا"وهو ان يكون المستقبل اهم من جراح الماضي .. الرئيس الرواندي لخص هذه الفلسفة بكلمات اصبحت نهجا" للدولة بمقولته الشهيرة (نمسح الدموع بيد ونعمر وبالاخرى ولا ننظر للماضي ) و لم تكن تلك مجرد عبارة عابرة بل سياسة يومية ترجمت الى شوارع نظيفة ومؤسسات فاعلة واقتصاد ينمو بثبات وثقة مجتمع بقدرة الدولة على حمايته وخدمته .ان كيغالي اليوم ليست مجرد عاصمة افريقية صاعدة بل نموذج لما مقاده (كيف يمكن للارادة السياسية ان تحول الالم الى طاقة بناء ) وكيف يمكن لدولة صغيرة الموارد ان تصبح كبيرة بالانضباط والرؤية والالتزام .وعلى الضفة الاخرى من المقارنة تقف بغداد مدينة التاريخ الثقيل والامجاد المتراكمة والجراح المفتوحة .. في العراق الذي مر بتحولات عاصفة منذ سنين طويلة كللتها حروب وانقسامات وصراعات داخلية وتدخلات خارجية اضعفت الدولة وارهقت المجتمع .بغداد التي كانت مركزا" للحضارة وجسرا" بين الشرق والغرب وجدت نفسها تكافح من اجل استعادة ابسط وظائف الدولة .تعاقبت الحكومات وتبدلت الوعود وبقي المواطن ينتظر نتائج ملموسة في الخدمات والامن والاقتصاد ورغم محاولات الاصلاح والاعمار ظلت التحديات اكبر من الانجازات بسبب الفساد وضعف الادارة وتنازع الارادات السياسية ومع ذلك لم تفقد بغداد روحها فالمدينة التي نجت عبر قرون من الغزوات والملمات الصعبة لا تزال قادرة على الحياة كلما توفرت لها فرصة حقيقية و اليوم يقف العراق على اعتاب تشكيل حكومة جديدة وسط ترقب شعبي ثقيل بالاسئلة هل تكون حكومة مختلفة ام حلقة اخرى في سلسلة الحكومات المتعاقبة منذ ٢٠٠٣ الى الان الترقب لا يخلو من امل ولا يخلو من خوف والعيون تتجه الى الدروس البعيدة القريبة في رواندا حيث الغبرة التي تحولت الى طريق واضح نحو المستقبل .بين نموذج اختار عدم الالتفات الى الوراء وواقع لا يزال اسير ماضيه يقف السؤال الكبير .. هل تستطيع بغداد ان تقتدي بكيغالي وان تختار طريقا" يمسح الدموع ويعمر ويبني لان المشهد كله يمكن اختصاره في مسافة رمزية واحدة .. المسافة بين التجربتين ليست في الجغرافيا بل في القرار وفي القدرة على تحويل الالم الى مشروع حقيقي .. وهنا يقف العراق امام لحظة اختبار حقيقية بين بغداد و كيغالي .

المشـاهدات 35   تاريخ الإضافـة 25/12/2025   رقم المحتوى 69278
أضف تقييـم