الأربعاء 2025/4/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
نيوز بار
افول الياسمين
افول الياسمين
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب حسن العكيلي
النـص :

بعد ان اتصل بها هاتفيا وطلب منها الحضور على وجه السرعة لامر ضروري ومهم - ارتدت تالا  ملابسها الجديدة الانيقة لتلبي دعوة حبيبها جاكوب وتم تحديد الموعد في احدى الاماكن الجميلة في شارع بوزنانسكا أحد أكثر شوارع منطقة شرودمييشتي المركزية حيويةً، والذي ضل يحظى بشعبية واسعة بين السكان المحليين والزوار على حد سواء. وبعد وصولها والسلام عليه لاحظت ان جواب حبيبها هذه المرة يخلو من اية حلاوة وكان مغلفا بالحزن ومبطنا بالارتباك وكان يفضح ماتخبأه اعماقه التي ظلت ناصعة البياض كلون الثلج الذي  راح يغطي شوارع واسقف البيوت بكثافة كان لقاءا حزينا ارتدى ثوب الكابة والصمت المطبق فقدحا الشاي الساخن الذي جلبه لهما النادل اصبح باردا بعد فقده لطعمه وتركه مهملا كجريدة قديمة او كعلبة سردين منتهية الصلاحية فأكثر دقائق الوقت التي مرت كانت النظرات فيها هي السائدة وهي التي راحت تتحكم بدفة اللقاء والحديث نيابة عن الالسن التي اخرسها زعيق صاعقة الخبر الصادم الذي غير ملامح الوجوة المرتدية ثوب البشاشة الى وجهين حزينين متحجرين كقطعة اثرية لم ترى النور منذ الالف الثالث قبل الميلاد .كيف لا يكونا كذلك وقد ابلغ جاكوب حبيبته بأن غدا سيشد الرحال الى العراق مع طاقم شركته التي حصلت على فرصة عمل هناك وان هذا اللقاء سيكون اخر لقاء بينهما وخيرها بين البقاء على العهد والصبر على الفراق حتى نهاية  المشروع الذي سيمتد وقته لاكثر من اربعة اعوام وبين تركه لترى طريقها ومستقبلها من دونه.كانت جملته الاخيرة مؤلمة وجارحة تشبه الالم الذي يسببه نفاذ سنان رمح. جدار قلب. ارق من ورق ورد الاقحوان- مرت الدقائق ثقيلة على العاشقين وكل كلمة تسحب خلفها وابل من الدموع السخينة واهات حمراء بلون الجمر خرجت من بين بطانة فوهة بركان ثائر لكنها اصرت على انتظاره حتى عودته وهذا دليل على واضح على حبها العظيم لشخصه- عندما انتهى اللقاء بالوداع تمسكت تالا بيد حبيبها جاكوب وكانها لاتريد ان تفارقه. كانت تشعر بحرارة دفئها وسريان كهرباء المحبة الى داخل شرايين واوردة يدها الرافضة لترك مسامات يده عاش الاثنان ليلة من اطول الليالي كانت ساعاتها تعادل عصورا من الزمن وثقيلة كسلسلة جبال الاورال  وأمر من سنين الحرب التي عاشها اجدادهم زمن الاحتلال النازي لبلادهم لقد غادر جاكوب ارض مطار وارشو برفقة اصدقاءه متوجها الى بغداد تاركا خلفه حبيبته وهي تلوح بكلتا يديها والدموع تنهمر على خديها بغزارة فور وصوله الى منطقة تل اللحم القريبة من مدينة الناصرية واقامته في المخيم الخاص بكادر العمل لم ينم جاكوب ليلته فالطقس لايشبه طقس واجواء وارشو اضف الى ذلك بعده عن حبيبته والمسافات التي تجاوزت الاف الكيلومترات بينهما فلا وجه يرى ولا احاديث تقال. ولا تنهيدة تسمع حاول ان يكيف نفسه مع الظروف الجديدة بكل ما اوتي من صبر وهو يعمل خارج بلاده ولسنين عديدة. في صباح اول يوم عمل له كان من اصعب الايام التي مرت عليه فكان يرى صورة حبيبته على كل زاوية من زوايا المخيم يراها داخل غرفته وفوق اذرع المكائن  والاليات والابراج حاول ان يعيش من دون تالا  لكنه لم يستطع فبقيت كالوشم ملتصقة على ذراعه تنام داخل اجواء قلبه النابض بالحب.. مرت سنتين من دون ان يراها وجها لوجه فالرسائل والصور لاتشفي الغليل ولا تروي عطش المحبين. كان جاكوب كثير التحديق الى السماء وهو يرى الطائرات العابرة صوب اوربا تدفعه الامنيات والاشواق  الى ان يكون احد العائدين الى وارشو وتالا في انتظاره في صالة الاستقبال عاشت تالا سنين من اصعب سني حياتها فقد شل الفراق تفكيرها واجهضت المسافات احلامها  .. حتى قررت في احد الايام حزم امرها بالسفر اليه .فعندما حطت بها الطائرة ارض مطار بغداد استأجرت سيارة وطلبت من سائقها التوجه الى الناصرية وباسرع مايمكن ابلغها السائق ان الطريق الذي سنسلكه طريق ذا ممر واحد ويتخلله الكثير من المطبات ويخلو من الانارة والاشارات الضوئية مع هذا وذاك فكانت سعيدة بسماعها للاغاني العراقية وببساتين النخيل التي كانت تزين الافاق بالخضرة .عندما ابلغ السائق ضيفته بقرب الوصول الى منطقة تل اللحم شعرت بالفرح العارم وطلبت منه ان يسرع ويتخطى ذلك الرتل الطويل من المركبات المحملة بالبضائع . لبى السائق طلبها وضغط على دواسة السرعة وقبل اجتيازه لذلك الرتل تفاجئ بسيارة مسرعة فقد سائقها السيطرة عليها حاول سائق تالا ان ينقذ نفسه ويهرب الى خارج الشارع لكنه اصتدم باحدى المركبات الثقيلة فدفعتها بقوة الى الجهة الاخرى لتطحنها المركبة القادمة باتجاهها بمن فيها صعدت روح تالا الى السماء وعيناها تحدق في تقاطيع الوجوه عن رسم يشبه وجه حبيبها لكن هيهات ان تراه ثانية عندما انتشر خبر الحادث سريعا كالنار في الهشيم حضر جاكوب مع عدد من اصدقاءه المستشفى وعندما راها مسجاة على سرير نقل الموتى بكى بكاءا شديدا  سمعت نحيبه حبات الرمل المتكلسة من زمن اور والوركاء وكذا الطيور المهاجرة صوب الشمال قرر جاكوب دفن حبيبته في مكان الحادث ليتحول الى رمز للوفاء مثلما هو رمز للحب ..لقد ماتت تلك الحمامة القادمة من برودة ثلوج اوربا الذاهبة نحو جنوب العراق لتسقي قلبها الظامئ من عيون حبيبها المتلهفة لرؤيته لكن القدر كان اسرع  من الضوء ليصعقها ويختار لها المقام في مكان صار لها مزارا تقصده الارواح الهائمة المحملة بنذور الحب العفيف ومكانا يتغنى به الشعراء يرشون فوق قبرها ماء الورد والقصائد المعطرة بدخان الشموع.

المشـاهدات 49   تاريخ الإضافـة 22/04/2025   رقم المحتوى 61988
أضف تقييـم