الخميس 2025/5/8 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 32.95 مئويـة
نيوز بار
قراءة نقدية لرواية "سيرة موجزة للألم" للروائي "حميد المختار" بين تيار الوعي والتجريب السردي
قراءة نقدية لرواية "سيرة موجزة للألم" للروائي "حميد المختار" بين تيار الوعي والتجريب السردي
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

حمدي العطار

مقدمة:

في روايته "سيرة موجزة للألم"، يخوض الروائي حميد المختار تجربة سردية جريئة تتقاطع فيها حدود التوثيق مع التخييل، وتتماهى فيها الشخصيات مع واقع سياسي واجتماعي معقد، في فضاء روائي متشظٍ يحاكي بنية الذاكرة والانفعالات. الرواية لا تكتفي بكونها عملاً تخييليًا، بل تنفتح على مداخل توثيقية، مستندة إلى وثائق أمنية ورسائل واقعية، ما يمنحها طابعًا شبه تسجيلي، ولكن ضمن هيكل بنائي يتناغم مع تقنيات تيار الوعي والانزياحات السردية.

أولًا: البنية التناصية وتضمين نصوص أخرى:-

يشير الروائي صراحة في خاتمة روايته إلى استعانته بمقاطع من روايتين سابقتين له هما ربيع الضواري والمسالك والمهالك، مبررًا ذلك بقرب مضامينهما من شخصية بطل سيرة موجزة للألم. ورغم أن التضمين من حق الكاتب، إلا أنه من الضروري، نقديًا، توضيح هذا التضمين للقارئ داخل المتن الروائي وليس في الهوامش أو الخاتمة فقط. فوعي القارئ بموقع التضمين يساعده على تقييم مدى توافق هذا الإجراء مع البناء الفني للنص، ويمنع تشوش التسلسل السردي.

 

ثانيًا: تحليل الرحلات السردية

الرواية احتوت على محطتين سرديتين بارزتين (الثانية والثامنة)، شكّلتا ما يشبه "رحلة وجودية" للبطل:

1. الرحلة الأولى – إلى الوردة الحمراء:

يتجلى في هذه الرحلة حوار داخلي وعاطفي بين البطل وامرأة تقيم في ألمانيا. الحوار يتخذ طابعًا فلسفيًا وعاطفيًا، ويُغلف بلغة رمزية تنم عن قلق وجودي وأسئلة الهوية والانتماء. هناك تناص واضح مع رواية تكتبها المرأة داخل الرواية، ما يفتح الباب أمام الميتاسرد، حيث تتقاطع حدود الرواية المكتوبة مع الرواية المتخيلة. ومع أن العلاقة تنتهي، إلا أن نهايتها جاءت تحمل أبعادًا رمزية أكثر من كونها سردية خالصة.يبدو ان المرأة تكتب رواية وهي تحت تأثير رواية تتحدث عن قصة حب بين امرأة ملحدة ورجل شيخ جامع، ليدور بينهما هذا الحوار "حين قلت لي إنك تصلي شعرت بلذة خاصة وكأنني اكتشفت عالما جديدا، لانه لا تجربة لي مع أي رجل  يصلي، حتى والدي كان يصلي بشكل غير منتظم وأشعر أن لديه تمردا انا: أنا ايضا متمرد ولا أحب شيخ الجامع،هي : أنت رائع..أنا: الأوساط الدينية الملتزمة تنتقدني كثيرا على انفتاحي، والأوساط العلمانية واليسارية تعزلني وتبتعد عني لأنهم ختموني بختم(الإسلامي)ص55

2. الرحلة الثانية – إلى "الغربة":

في هذه المحطة، يبدو أن البطل قد انتقل إلى مدينة (يرجّح أنها عمّان) حيث يعمل في صحيفة أسبوعية. يظهر البعد الغرائبي في اختفاء شخصية "رولا جبور"، التي تتطور علاقتها مع البطل بسرعة، ثم تتبخر فجأة. هذه الشخصية تطرح تساؤلات حول مدى واقعيتها، وقد تكون تجليًا ذهنيًا ناتجًا عن أزمة البطل النفسية، مما يعزز فرضية "اللايقين" و"الذاتية" في السرد.

"- لم تكن ثمة امرأة بهذا الاسم وهذه المواصفات،لم يكن هناك مخلوق اسمه رولا جبور...ثم أيقنت باستنتاجاتي الأخيرة وتأكدت أن رولا جبور أنهت دورها ونفذت ما كلفت به واختفت الى الأبد"ص260 .

 

ثالثًا: غموض دوافع الاعتقال والتعذيب:-

من المآخذ الأساسية على الرواية إغفالها توضيح أسباب الاعتقال والتعذيب الذي تعرضت له بعض الشخصيات. فغياب الانتماءات السياسية أو الخلفيات التي قادتهم إلى هذا المصير، يفتح باب التأويل على مصراعيه، ويحوّل التجربة إلى سرد ذاتي مغلق، من دون أن يمنح القارئ مفاتيح فهم السياق الاجتماعي أو السياسي الذي يتحرك فيه الأبطال.

رابعًا: تيار الوعي وتعدد مستويات السرد:-

تحاول الرواية الانتماء إلى تيار الوعي، وهي تقنية تحتاج إلى تعدد أصوات ومستويات سردية متداخلة، كما في روايات الصخب والعنف لوليام فوكنر والأمواج لفرجينيا وولف. غير أن رواية المختار تعتمد غالبًا على صوت سردي واحد، مما يضعف فاعلية تيار الوعي الذي يتطلب تبادل وجهات النظر وإعادة صياغة الأحداث من زوايا مختلفة، ليعكس التشتت الداخلي للشخصيات.

خاتمة:

سيرة موجزة للألم عمل سردي يحاول التجريب في مناطق معقدة مثل التوثيق السردي، وتيار الوعي، والتناص مع نصوص سابقة، وهو أمر يحسب للروائي في جرأته وتنوع أدواته. إلا أن بعض الثغرات البنيوية، كعدم وضوح السياقات السياسية، وغياب التعدد السردي، وتضمين نصوص دون إشارات داخلية واضحة، قد أثرت على تماسك النص. الرواية تبقى تجربة سردية تستحق الوقوف عندها، لا سيما في محاولتها المزج بين الذاكرة الشخصية والجماعية، عبر رحلة الألم والغربة والبحث عن الذات.

المشـاهدات 27   تاريخ الإضافـة 07/05/2025   رقم المحتوى 62610
أضف تقييـم