الخميس 2025/6/26 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.83 مئويـة
نيوز بار
قصة قصيرة الحكمة التي تنقسم
قصة قصيرة الحكمة التي تنقسم
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

حيدر الحجاج

 

المشهد الاول

في سالف العصور، في أرضٍ تتنازعها السماء والنار، نشأ رجلٌ يدعى أوراس .

كان اسمه يتردد في الأرجاء كهمس الرياح، رجلٌ قيل إنه جُبل من نور،

 وإن روحه تضيء حين يسير في الظلام.

 كان أوراس فارسًا، لكنه لم يحمل سيفًا،

 بل سلاحه  الكلمة، وسيفه العقل.

حيثما حل،  النور يتبعه،

كأنه ولد ليقود العالم إلى فجرٍ جديد. 

عاش أوراس في مدينة  إيلان ،

المدينة التي تقف على حافة عالمين،

بين الصراع الأبدي للنور والظلام.

لم تكن إيلان مدينة عادية،

 بل كانت مهد الحضارة، وملتقى الحكماء، وموطن الكتب التي قيل إنها تحمل سر الوجود.

 لكن المدينة كانت مهددة

دائمًا من قِبَل "ظلال الساكنين"،

 كيانٌ غامض، كالأشباح، لا يظهر إلا حين يخفت النور، ولا يرحل إلا إذا أُحرقت آخر ورقة من كتب الحكمة. 

وقف أوراس على أسوار المدينة، ينظر إلى الأفق الممتد أمامه. قال بصوت يشبه الرعد الهادئ: 

"العالم ليس ميدان معركة،

لكنه مرآة تعكس ما نحن عليه،

 ومن لا يرى سوى الظلام

في مرآته، فليبحث عن النور داخله

قبل أن يبحث عنه في الخارج."

كان مؤمنًا بأن الحكمة هي الشعلة الوحيدة التي لا تنطفئ،

وأن العقل هو الحصن الذي لا يُهدم.

فقرر أن يجمع كل حكماء إيلان،

وكل من لا يزال يؤمن

بأن الكلمة أعظم من السيف،

وأن القلم أشد مضاءً من النار.

 اجتمعوا في ساحة الحكمة،

تحت سماءٍ تتلبد بالغيوم الثقيلة،

 بينما الرياح تهمس لهم بأن الظلام

قادم لا محالة. 

لكن أوراس لم يكن ممن يخشون

 العتمة، بل كان ممن يشعلون الفوانيس. صرخ في الجمع: 

"إن كنا نخاف الظلام، فلنضيء المصابيح،

وإن كنا نخشى الجهل، فلننشر الحكمة. أما إن اخترنا أن نقاتل دون نور، فسنصير جزءًا من الظلام ذاته!"

انتشرت كلماته كالنار في الهشيم،

وأدرك أهل إيلان أن المعركة لم تكن ضد الظلال فحسب،

بل ضد الجهل، ضد الخوف، ضد اليأس. وبدأت المدينة في إشعال مصابيح الحكمة، حرفيًا ومجازيًا، بينما كان أوراس يقف في المقدمة، يحرس آخر مشعل للنور في عالمٍ يتهاوى في الظلام. 

لكن الحقيقة كانت دائمًا نصفًا فقط… 

المشهد الثاني: ليل الحكمة

في الجانب الآخر من الحقيقة، حيث لا تصل أشعة الشمس، عاش رجلٌ آخر يُدعى نيراس. لم يكن اسمه يُهمس، بل كان يُتلى كتحذير، وكأن صوته نفسه يحمل لعنةً قديمة.

 لم يكن من أهل النور، انما سيد الظلال، رجلًا فهم ما لم يفهمه الآخرون:

 أن الظلام ليس شرًا مطلقًا،

وأن الحقيقة ليست نورًا فقط، ا

نما نصفان متكاملان. 

كان نيراس يعيش في مدينة العتمة ،

المدينة التي لا شمس فيها،

والتي يتوارى فيها الحكيم خلف قناع،

حيث تُهمس الحقائق في زوايا الحانات،

 ولا تُقال في الساحات المفتوحة.

أنه يرى أن الحكمة ليست كلمات

 تُنقش على الحجارة،  ونارٌ تلتهم من لا يحسن استخدامها. 

قال ذات يوم لتلاميذه: 

"أخطر الأكاذيب هي التي تُقال بنبرة الحق، وأقسى الحقائق هي التي تُقال باسم الرحمة. من يعتقد أن النور وحده يكفي،

لم يعش في الظلام بما فيه الكفاية."

حين سمع نيراس عن أوراس ومدينته،

 ابتسم ابتسامة العارف، وقال: 

*"إنه يشعل النور، لكن هل يظن أن الظلام سيحترق؟

أنه سيعود أقوى. إن من ينكر أحد وجهي الحقيقة،

سيعيش في نصف عالم،

ويرى نصف معرفة، ويقاتل في معركة لن تنتهي أبدًا."* 

قرر نيراس أن يواجه أوراس، ليس بسيف، وليس بكلمة، انما بفكرة. عبر بظلاله إلى مدينة النور، ومشى في طرقاتها المضيئة، حيث التقى بأوراس تحت القمر المكتمل. 

قال أوراس بحزم: 

"جئتُ لأحمل النور إلى من لا يراه،

فهل جئتَ لتطفئه؟"

ابتسم نيراس وأجاب: 

"انما جئتُ لأريك أن الظلام لم يكن عدوك أبدًا.

 جئتُ لأريك أن الليل ليس ضد النهار،

انما هو ما يمنح النهار معناه."

نظر إليه أوراس بعينين تتأججان بالنور،

 ورد: 

"الظلام هو جهل، والخوف،

 والنهايات غير المكتملة.

إنه العدو الذي يجب أن نبدده."

أجاب نيراس بنبرة هادئة: 

"لا ليس ذاك انما هو الاستراحة بين الأسطر، والليل الذي يحرس الأحلام، والتربة التي تنبت منها جذور الحكمة. لا يمكنك أن تبدده دون أن تبدد جزءًا من نفسك."

وقف الرجلان في مواجهة بعضهما، ليس كعدوين، بل كوجهين لحقيقة واحدة.

وقف النور والظلام جنبًا إلى جنب،

لا ليتقاتلا، بل ليكتشفا أن العالم

 لم يكن يومًا أبيض أو أسود،

 أنه دومًا مزيجًا من الاثنين،

وأن الحكمة الحقيقية لم تكن في اختيار أحدهما، انما في معرفة كيف يتكاملان. 

وفي تلك الليلة،

حين التقى أوراس ونيراس،

 لم يكن هناك منتصر أو مهزوم،

 كان هناك شيء جديد،

شيء لم يُر من قبل: عالمٌ لا يخشى الظلام،

ولا يعبد النور،  ليفهم أن كل شيء له مكانه في التوازن الأعظم. 

لم تُحرق مدينة إيلان،

ولم تغرق مدينة العتمة، انهما امتزجتا، كما يمتزج الشفق بين الليل والنهار،

 ليصبحا معًا ما لم يكن أيٌ منهما يستطيع أن يكونه وحده: حيث بقيت الحقيقة نائمة والغيلان تترقب اخر النهار ودبيب الظلام وهو يفترش عروس الليل.

المشـاهدات 60   تاريخ الإضافـة 22/06/2025   رقم المحتوى 64145
أضف تقييـم