النـص :
بعد فراق امتد لسنين طوال، شاءت الأقدار أن ألتقي بصديقي وابن مدينتي، الدكتور نعيم جبار كرم. الذي جمعتني به ذكريات كثيرة أيام الغربة؛ إذ كنت أنا في إيران، وكان هو في فنلندا، ثم انتقل لاحقًا إلى لندن ليكمل دراسته العليا في مجال الهندسة وطرق نقل التكنولوجيا.كان لقاؤنا هذه المرة مختلفًا؛ لم يكن مجرد لقاء أصدقاء تقاذفتهم الغربة، بل كان ولادة حلم جديد. حدثني الدكتور نعيم بشغف كبير عن فكرة راودته طويلًا، حلمٌ وُلد في ليالي فنلندا المتجمّدة، حين كان يجلس بقرب الموقد يرسم في ذهنه ملامح مشروعه الكبير، الذي تطوّر شيئًا فشيئًا ليصبح مشروعًا متكاملاً يحمل اسم: "مدينة الطيب الاقتصادية السياحية."بعيون تفيض أملاً، وبقلب ممتلئ بالإيمان، روى لي الدكتور نعيم تفاصيل هذه المدينة التي لا يريدها أن تكون مجرد مشروع عمراني، بل مدينة ذكية حديثة، مركزًا اقتصاديًا وسياحيًا نابضًا بالحياة في قلب محافظة ميسان. أرادها فضاءً للإبداع، ومجالًا رحبًا لفرص العمل، وبوابة للاستثمار، ووجهةً للزوار من داخل العراق وخارجه. أرادها نافذة مشرقة تطل منها ميسان على المستقبل.لقد استطاع أن ينقل إليّ عدوى هذا الحلم. لم أعد أراه حلمه وحده، بل وجدته حلمًا لكل ميساني طموح يتمنى لمدينته أن تنال ما تستحقه من مكانة واهتمام. وتبنّيت هذا الحلم، وصرت أراه مشروعًا وطنيًا، يجب أن تتكاتف لأجله جهود الجميع من أبناء المحافظة.ومن هنا، أوجه دعوتي إلى جميع الميسانيين من مفكرين، ومهندسين، ومستثمرين، ومسؤولين، أن يتحدوا من أجل تحقيق هذا الحلم. فمدينة الطيب ليست فقط مشروعًا اقتصاديًا أو سياحيًا، بل هي تعبيرٌ عن إرادة الحياة، ودليلٌ على أن الأحلام الكبيرة تبدأ من فكرة، وتنمو بالعزيمة والإصرار والعمل المشترك.وإن تحقق هذا الحلم - بإذن الله - فسيكون نقلة نوعية في حياة أبناء ميسان، بل والعراقيين عمومًا، لما يحمله من رؤية اقتصادية واستراتيجية عميقة. هذه المدينة ستكون منارة تستقطب المستثمرين والسياح، ولن أبالغ إن قلت إنها ستكون منافسة للمدن الاقتصادية الإقليمية والدولية، لأن في داخلها بذرة نجاح حقيقية.قرب مدينة الطيب من منابع النفط سيمنحها دفعة قوية في مجال الصناعات النفطية والبتروكيميائية، وما يتبع ذلك من صناعات حديثة، مثل صناعة اللدائن والشرائح الإلكترونية المستخدمة في الأجهزة الذكية. كما ستُبنى المدينة وفق مفاهيم حديثة تراعي البيئة، وتعتمد على التصميم العصري والأداء الذكي، ما يجعلها نقطة جذب على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي.ولا يقتصر المشروع على الجانب الصناعي فقط، بل يتكامل مع قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية، مستفيدًا من وفرة المياه الجوفية في منطقة الطيب، لتكون المدينة مكتفية ذاتيًا ومستدامة اقتصاديًا وبيئيًا.ولا يكتمل أي مشروع من دون إرادة سياسية وإدارية داعمة. وهنا لا بد من الإشادة بالدور الكبير الذي يقوم به السيد محافظ ميسان، حبيب ظاهر الفرطوسي، الذي يعمل بكل تفانٍ وإصرار على تحويل هذا الحلم إلى واقع ملموس، وقد أطلق عليه بحق: "حلم أهالي ميسان بمستقبل أجمل وأفضل."وما تحقق حتى الآن من خطوات عملية يدعو للتفاؤل بأن المشروع يسير بخطى واعدة وفق خارطة طريق دقيقة ومدروسة. فبعد أن شُكّلت اللجنة العليا لمشروع مدينة الطيب الاقتصادية السياحية، وانعقاد عدة اجتماعات ميدانية برعاية مباشرة من السيد المحافظ، تمخضت الجهود عن تأسيس عدد من اللجان الفنية المختصة التي أخذت على عاتقها إعداد الدراسات وجمع البيانات الدقيقة.ووفقًا لمصدر مسؤول، فإن جميع الموافقات الرسمية قد استُحصلت من الوزارات والهيئات ذات العلاقة، بما في ذلك تخصيص الأرض اللازمة للمشروع. كما أوكلت مهمة إعداد الخرائط التفصيلية وتهيئة الحقائب الاستثمارية إلى الشركة الاستشارية الأمريكية (KBR)، التي وضعت جدولًا زمنيًا يحدد نهاية الشهر السابع من هذا العام موعدًا لإنجاز المرحلة الأولى من دراستها.إنه حلم بدأ بفكرة، وتحوّل اليوم إلى خطوات عملية على أرض الواقع. والأمل كبير بأن تكون مدينة الطيب الاقتصادية السياحية بوابة ميسان نحو مستقبل مزدهر، وأن تُصبح علامة فارقة في تاريخ العراق الحديث.
|