الأربعاء 2025/6/4 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
نيوز بار
مصيدة التشويق ودرس في السرد عن رواية طريفيّة للكاتب سلمان كيّوش
مصيدة التشويق ودرس في السرد عن رواية طريفيّة للكاتب سلمان كيّوش
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

كريم شعلان

٠٠٠

على امتداد ٣١٠ صفحة مُحاكة بلغة ماهرة وكيّوش يحاول كتم بكائه وصراخه، مُحتميا بلغته التي أخذَنا بها ومن خلالها إلى عوالم خفيّة ملؤها حزن جنوبيّ مُملّح بدموع ومفردات شعبيّة شروگيّة

-اغلبها انقرض-،لكن كيّوش أعادها وجدّد بها من خلال وضعها بين سطور بلاغته النثريّة العالية.

 

بعد تتمة قراءتي للرواية، ايقنت انني أمام عمل لم يأت بمثله أحد ممّن سبقوا سلمان كيّوش، خاصّة في مجال السرد الذي يتناول الحزن الجنوبي المُستلّ من خفايا البيوت والعوائل الجنوبيّة الرازخة تحت قيود وتقاليد ووصايا وخضوع للمقدّسات والغيبيّات والإيمانات والولاءات المُخفقة باطلاق ..

بطريقة تبنّي غير مُعلنة، يأخذ كيّوش صفحات أو اسطر قليلة، ليترك لـ طريفيّة التي اصبح وليّ أمرها بشكل يكاد يكون مباشرا، ومنذ لحظة حصوله على دفتر مذكراتها المعروض للبيع في سوق الخردة…. وهبها قلمه، وسرده الساحر، وعواطفه التي جسّدتْ الإنسان الحقيقي الساكن في نبض الجسد العراقي من جيل المثقّفين في مرحلة - النخبة الذهبيّة- التي عاصرت عقودا دامت ما بعد الستينيات وحتى نهاية الثمانينيات. وصارت تلك البنت القرويّة الضعيفة (طريفيّة) حقيقة تشارك كيّوش رحلة سرد مذهلة رغم حزنها ودعواتها للقارئ  في أن يكون جزءًا من هذا العزاء -الچادر- المنصوب على امتداد ٣١٠ صفحة، -چادر- بلا معزّين، ولا بكّائين، ولا لافتة لاسم الميّت أو شاهدة على قبر، وحتى لا أثر لقبر، ـ چادر- هو مصيدة وضعها كيّوش ليقول لنا جميعا، ثمة ظلم كبير نتشارك إثمه نحن، جميعا، هذا هو عزاؤكم وفجيعة حياتكم….

 لا أريد المبالغة إذا قلت، هذه الرواية تُشبه اللاصق الذي يوضع كمصيدة للفئران، وأقول مع نفسي الويل لي، أنا الجرذ القارض للكتب، أحاول التخلص، لكن سحر لغة كيّوش لا حول لي ولا قوّة أمامها، ويا لها من مصيدة مؤلمة، ممتعة، وعظيمة.

غالبا ما تترك الأعمال السرديّة اسئلة عندي، لكن الأعمال الكبيرة تترك لديَّ اكثر من ذلك، تتركني بمخيلة جديدة، وهوس جديد وفي ملاحقة ملامح العمل وتفاصيله وثيماته وحكمته، واكلّم نفسي كثيرا عنه كلاما يخرج الكثير من الانطباعات والتصورات المنضوية تحت التوافق أو عدمه.

لقد صنع لنا سلمان كيّوش عملا سرديّا فريدا، يصلح أن يكون انموذجا للعمل السردي المعاصر، مُعكّزا في قيامه بكلّ جمال ووضوح على حياكة ماهرة مُرصّعة بومضات مكثّفة بين الألم ومسبباته، بين القسوة وسواها مما تختزنه ذاكرة الجنوبي الُمحمّلة بالضيم والقهر والنعي والغناء والكتم والحرمان والنتائج التراجيديّة التي تمرّ كذكرى  للمرجلة المُفتعلة والتفاخر المكتوب على لافتات العشائر والتراجع في الفكر والتخلّف في فهم الإنسان لنفسه ولغيره …. 

كتابتي المتواضعة هذه، ما هي إلّا تلويحة محبّة وامتنان للمبدع سلمان كيّوش، كذلك هي دعوة لكم جميعا بقراءة هذا العمل الكبير.

المشـاهدات 92   تاريخ الإضافـة 28/05/2025   رقم المحتوى 63408
أضف تقييـم