
![]() |
من ادب السجون قصة قصيرة |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
نهاية حزينة.. نجم السعدون *
كنت أُحبُّ الجلوس مع قريب لي من ال السعدون الصحفي والخبير الإعلامي الصحفي العتيد نجم السعدون " أبو مصعب " رجل كبير بالسن يخزن ويحتفظ بثقافة واسعة ومعرفة اعلامية واجتماعية وسياسية في التاريخ والعلوم عن مفاصل كثيرة بالعراق من اسرار الدولة ويتعدى ذلك الى بلدان الخليج العربي، وان لم يكن سياسي حقيقي، لكنه يميل كثيرا للملكية الدستورية ويحفظ النسب والعشيرة خاصة في جنوب العراق. سرني ذلك كثيرا بعد ان عرفتُ خلال وصولي ودخولي في سجن "خاصة أبو غريب " ان لي قريب ومن أنسابنا واعمامي. ونجم السعدون رجل كبير بالسن وضع في مكان مخصص في الطابق الثاني من سجن الخاصة يسمى" قسم الجواسيس" أثار استغرابي وصِرتُ أتساءَل بفضول كيف وصل هذا الرجل التقي إلى هنا؟! وعلى أيِّ أساس اتُّهم بهذه التهمة الخطيرة "التجسس" لصالح أي بلد عربي ام إسلامي ام غير ذلك، ظل الفضول يدفعني لمعرفة ذلك والحياء يمنعني من سؤاله؛ لأنه قد يُعتبر تدخُّلًا في أمر شخصي أو يُعَد استهانةً واستخفافًا به. مرة وأنا في حديث ودِّي كالعادة مع مثقف وكاتب سياسي، بل حزبي لكنه مفصول وهو الدكتور ضرغام التميمي كان محكوم عليه بالسجن مؤبد بتهمة سخيفة وهي تجاوز الحدود، تدرجْنا بالكلام إلى أن وصلنا إلى منعرج في الحديث كان من المناسب جدًّا فيه أن أطرح سؤالًا يفضُّ لغز هذا الرجل وأحجيته بلا تحرج. فقلت له: «أبو مصعب رجل طيب مسكين، وصحفي غير منخرط كليا بالسياسية ومع الاعلام العراقي الصحافة بشكل خاص، وإني لأعجب لوصوله إلى هذا السجن وذات القسم (الجواسيس) مَن هذا الذي اعترف عليه؟ على أنه منخرط في تنظيم بمحاولة تجسس لصالح بلد جار عربي مسلم. تكررت زياراتي إلى قاعة المخابرات في سجن الخاصة في ابو غريب لزيارة ابو مصعب كان يستقبلني بود واشعر ان السعادة تغمره ربما لان بيننا مهنيا متقاربان. وتعرفت على أشخاص من مختلف محافظات العراق.. معظمهم كبار السن وفيهم ايضا بعمر الشباب كلن له حكاية وقصة وأسباب مختلفة للاعتقال والسجن..
قصص يمكن أن تحدث منها خرافية كقصص الجدات او من جمهورية الواق واق، يثيرك العجب وانت تسمع لتلك القصص التي يشيب له الرأس.. قصص الابتلاء وربما الانتقام. تجرأت مرة وسألته استاذ ابو مصعب. من وشى بك.. ومن ألقي القبض عليك...؟ قال تعال نخرج إلى الهواء الطلق (نشم هوا نقي) ونتحدث.. بالنسبة للواشي كانت موظفة عراقية في السفارة تلك ويبدو انها كانت تتعاون مع المخابرات العراقية لرصد حركة السفارة برمتها الداخل اليها والخارج منها.. وكنت أسلمها تقارير صحفية خبرية عن أنشطة ثقافية او اقتصادية او زيارات المسؤولين وغيرها.. لكي تطبعها على الالة الطابعة وترسلها إلى الجريدة مع البريد اليومي الدبلوماسي للسفارة.. وكانت في نفس الوقت ترسل نسخة بشكل سري إلى جهاز المخابرات.. والظاهر كانوا يتابعون كل شيء رغم ان العلاقات العراقية امع تلك الجارة كانت متوافقة وطيبة وفي قمة الدرجات العليا.. اما بخصوصً إلقاء القبض فيسرد.. كنت أقود سيارتي متوجها إلى داري في ظهيرة تموزية لاهبة.. وفجأة طلب مني شخصين كانا في سيارة التي اصطفت بجنب سياراتي وطلبوا الوقوف على جنب الشارع للمساعدة لإصلاح الإطار الذي يبدو انه (بنجر).. وقفت وقلت مع نفسي مازالت الطيبة والمساعدة عندنا، نزلت ونظرت للإطار فوجدته سليما، جاء الشخصان وبدون سلام او مقدمات قالوا تفضل معنا استاذ نصف ساعة، كم سؤال وتعود إلى بيتك.. نزل شخص ثالث ليقود سياراتي بينما صعدت معهم بسيارتهم. بعد برهة سألتهم لماذا كل ذلك أجابوا بشيء من عدم الاحترام، ستعرف بعد قليل، ونحن نقترب من مبنى المخابرات في الحارثية، اعصبوا عينيي، شعرت انني بيد الأجهزة الأمنية.. أكثر من سنة في توقيف الحاكمية وتنقلت من مكان أمني إلى آخر حتى وصلت إلى محكمة الثورة ووجها لوجه مع ابن العم عواد البندر السعدون، هزات منه لأني كنت كثير المساعدة له في كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. حكم على بالمؤبد بجريمةً التخابر مع دولة اجنبية.. انتهت قصة الصحفي نجم السعدون العراقي الذي رفض التعاون مع جواسيس النظام ومخابراته بالتخابر عن تلك الدولة وتسريب معلومات عنها امنية واقتصادية، كما قال لي ..
كان كريم النفس يساعد السجناء المحتاجين، وكان يوم المواجهة" مقابلة الاهل " سعادة لنزلاء الجناح لان وليمة دسمة غنية بما لذ وطاب سيكونون ضيوف على ما تحمله عائلته المكونة من ابنته المجاهدة الصبورة السيدة (أسماء) من الذ الطعام والفاكهة والمشروبات الباردة.. كان أكثر ما يؤلمني حينما تتساقط دموعه وهو يتمعن بصورة فوتوغرافية يحملها ويضعها بين دفة القران الكريم لولده (مصعب) الشاب الذي منع من زيارة والده.
مات نجم السعدون في سجن الخاصة " محجر الجواسيس " بعد سنوات طويلة من جحيم السجن والوجوه التعيسة التي تتحكم بمصيره، مات بعيدا عن ولده واهله لكنه سجل بشرف بقلمه وفكره موقف من نظامي يقمع الصحفي والمثقف لا لسبب، بل لأنه عراقي اصيل. *المجموعة القصصية "مذكرات سجين سياسي 2" |
المشـاهدات 21 تاريخ الإضافـة 26/07/2025 رقم المحتوى 65147 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |