
![]() |
الإشراف الأكاديمي.. مسؤولية اخلاقية وأمانة علمية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
الإشراف الأكاديمي على الرسائل الجامعية رسالة تربوية، ومهمة قيادية، فضلاً عن كونه التزام اخلاقي، ومسؤولية قانونية، توجب على القائمين بها أداء حق الانتماء إليها إخلاصاً في العمل، وصدقاً مع النفس، وعطاءً مستمراً، ولا يقتصر دور المشرف على اكمال البحث وتفكيك إشكاليته، بل يجب أن يصنع من الطالب مشروعاً بحثياً متكاملاً، حاذقاً في تقنيات التمكين المنهجي والصيد المعرفي: (الفرضيات، المنهجيات، التحليل)، وهنا تكمن المسؤولية العلمية، اي تحويل الباحث من مستنسخٍ للمعرفة إلى منتجٍ لها، فالإشراف الأكاديمي السديد يشبه فن النحت البطيء، لكن من الخطأ ان يتحول الطالب إلى تابع عقائدي لمنهج المشرف، وهنا تظهر حرفية ومهارة المشرف من خلال اعطاء الطالب مساحة من الحرية البحثية لإثبات شخصيته العلمية على ان تكون تلك المساحة تحت مراقبة المشرف ومتابعته، بهدف تحويل التفكير العلمي للطالب إلى نمط حياةٍ دائم بعد نيل الشهادة، فالمشرف الحقيقي لا ينتج باحثًاً لرسالة واحدة، بل يولّد باحثًاً مدى الحياة، اذ يحول طلبته إلى مشرفين في المستقبل يحملون شفراته العلمية والأخلاقية.
مسؤولية علمية وبناء فكري
المشرف مطالب بتحسين البناء الفكري والمعرفي للطالب، وتسليحه بأدوات البحث العلمي وتشذيب الزوايا الخاطئة في شخصيته العلمية، من خلال التوجيه والرقابة والمتابعة ليخلق منه باحثاً متمكناً في مجال تخصصه، فالإشراف الاكاديمي من الناحية القانونية عبارة عن علاقة مؤقتة بين طرفين هما الأستاذ المشرف الذي يمارس عملية الإشراف والمتابعة على الاخر بهدف احداث تغيير في الاداء المعرفي للطرف الاخر وفقاً لخطة واهداف محددة سلفاً، وهي عملية تربوية لا تختلف عن العمليات التربوية التي مر بها الطالب لكن ما يميزها هو مساحة الحرية المتاحة في العلاقة الإشراقية، التي لا يمكن ان تتحد وفق اسوار المؤسسة الاكاديمية، فهناك تتداخل وتنوع في قنوات العمل ووسائل الاتصال، وهناك دراسة ميدانية واتصال مستمر تقتضيه طبيعة العمل، فيكون عبر الهاتف تارة، وخارج الدوام الرسمي تارة اخرى، ولاشك ان للظروف الاجتماعية التي يمر بها احد طرفي الإشراف تأثيرا على سير البحث والمدة المحددة للإنجاز.
بصمة اخلاقية
الأستاذ الجامعي مسؤول علمياً عن تنمية قدرة الطالب على التفكير المستقل والتفكير المنطقي، وهو الهدف الأسمى للتعليم، وفي الوقت نفسه لا يمكن إهمال أن التفكير المنطقي والاستقلال في تكوين الرأي والموقف هما من أسس الأخلاق، فالعلاقة التي تحكم طبيعة الإشراف هي علاقة معقدة توجهها جملة من الأبعاد العلمية والقانونية والأخلاقية، فالإشراف مهارة وفن وحرفية، لأنه لا يقف عند حدود التوجيه الشكلي والصوري للباحث، بل يتجاوز ذلك إلى التوجيه المعرفي العميق، والمتابعة الدقيقة، وبناء الشخصية العلمية، وترك البصمة الاخلاقية.قبل أن يكون الإشراف امانة علمية فهو عقد روحيٌّ بين المشرف والطالب، فالمشرف هنا ليس شرطياً يراقب الانتحال، ويترصد الاخطاء، ويستعرض ابعاده المعرفية، فالباحث غالباً- خاصة في مرحلة الماجستير- كائن معرفي هش، ودور المشرف الأخلاقي يتجلى في : الصبر والتأني والمطاولة ومنع استغلال جهده كـأداة بحثية لمشاريع اخرى، والحفاظ على كرامته عند الفشل بوصفه شريك في الأزمة لا قاض فيها، وعدم تكليفه بما لا يطيقه، وأعظم إرثٍ أخلاقي يمنحه المشرف لطلابه هو ثقافة الاعتراف بالخطأ، والقدرة على اقتحام المسكوت عنه في تخصصه، وحرية السؤال والاستفسار، فالمشرف الناجح هو من يزرع في طالبه بصمة التواضع المعرفي، والمناعة ضد اليأس بتذكيره دائماً أن العثرات مرحلة من مراحل النجاح .
مسؤولية الأستاذ المشرف
الإشراف مسؤولية لها قداسة خاصة، بوصفها ركناً مهماً من اركان التعليم الذي يعد من أشرف المهن وأسمى الرسالات، فهناك جملة من المحددات التي تحكم عملية الإشراف، وهو ما اصطلح عليه (أخلاقيات الإشراف الاكاديمي) ، وهي قيم يجب أن تحظى بالرعاية والمتابعة، بوصفها الوعاء الذي يستوعب العملية التعليمية، والأسوأ في العالم الأكاديمي ليس ضعف الإنتاج البحثي، بل أزمة المشرفين الذين تحوّل بعضهم إلى موظفي توقيعات، لذا يمكن ادراج مسؤولية الأستاذ المشرف في مرحلة الإشراف من خلال: توجيه الطالب في اختيار موضوع البحث اذا كان ذلك ضمن مهامه، وان يتوخى في الموضوع الأصالة والأبداع والابتكار، والأستاذ المشرف هو القدوة امام طلبته في المثابرة والالتزام والاخلاص والنزاهة والتخلي بأخلاقيات البحث العلمي، والسماح لطلبته بأبداء آرائهم واعتراضهم بكل حرية على بعض المواد والجوانب، وفق أصول الحوار البناء، وتبعاً لآداب الحوار المتعارف عليه، فضلا عن المساواة في الاهتمام والمتابعة والمراجعة بين الطلبة الذين يقوم بالإشراف عليهم، وتوضيح وجهة نظر الطالب أمام لجان المناقشة والدفاع عن فكرته.
معايير اختيار المشرف
تختلف معايير اختيار المشرف بحسب الضرورات العلمية والفنية، لكن هناك اساسيات ينبغي ان تتوفر في كل عملية اختيار، فمن الضروري اختيار مشرف ينتمي إلى نفس تخصص الباحث، مع امتلاكه خبرات ومهارات بحثية في مجال التخصص، مع توفر المرتبة او الدرجة العلمية التي تسمح له بتولي مهمة الإشراف، كما ان وجود التطابق في الميول والاتجاهات والرغبة في العمل بين المشرف والطالب من الأمور الأساسية والضرورية التي من شأنها اتمام الرسالة العلمية وترصينها، وفضلاً عما تقدم يجب التأكد من امتلاك المشرف الوقت الكافي لأن يتولى مهمة الإشراف ، فامتلاك الخبرات والمعارف والإمكانيات لن يكون كافياً، ما لم يستطيع تخصيص الوقت اللازم للتكفل بمهام الإشراف بالشكل الأمثل. |
المشـاهدات 57 تاريخ الإضافـة 26/07/2025 رقم المحتوى 65150 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |