
![]() |
سعد المعموري.. شاعر الجبل |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
محمد علي محيي الدين ٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠ في قرية صغيرة تدعى عنانة، من ضواحي مدينة الحلة، ولد الشاعر والكاتب سعد حسين ناصر المعموري عام 1956. هناك، وسط النخيل وأحاديث الجدّات، نمى وعيه الأول وتشكّل خياله، فكانت الحياة كتابًا مفتوحًا، وكانت القصيدة بوصلة داخلية تشده نحو اللغة، والرمز، والمجهول. بدأ دراسته في مدارس الحلة، ثم التحق بإعدادية التجارة ليدرس الإدارة، وكان من المتفوقين، غير أن عشقه العميق للغة العربية قاده إلى التخصص في قسم اللغة العربية والدراسات القرآنية، متحديًا رغبات القوالب التقليدية، ليجعل من الشغف أفقًا، لا مجرد اختيار أكاديمي. أنهى دراسته الجامعية متفوقًا، ثم شدّ الرحال إلى مدينة مشهد الإيرانية، حيث نال من جامعة فردوسي – كلية الدكتور علي شريعتي شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث ونقده، وهو اليوم يواصل دراسته للدكتوراه في الجامعة ذاتها، وفي التخصص ذاته، دون أن يفتر حماسه أو يتعب وجدانه من الحفر في تضاريس اللغة والرمز. ينتمي سعد المعموري إلى عدد من المؤسسات الثقافية والنقابية: اتحاد الأدباء والكتّاب في بابل، جمعية الرواد الثقافية المستقلة، النقابة الوطنية للصحفيين، مؤسسة الفن حياة العالمية، ويعد من الأصوات البارزة في المشهد الثقافي البابلي والعراقي عمومًا. وهو حاضرٌ بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي، بوصفه كاتبًا، وناقدًا، ومثقفًا فاعلًا في قضايا الأدب والوعي. في مجال القصة القصيرة، أثبت المعموري قدرته على التقاط اللحظة ونسجها بمهارة، فنُشرت له نصوص في الصحف العراقية والعربية، منها الراية الأردنية، وقصته "الصديقان" التي ضمّها الدكتور سعد الحداد في كتابه أنطولوجيا القصة البابلية، دلالة على مكانته بين مجايليه. أما في حقل النقد، فقد توزعت مقالاته بين النقد الأدبي، والفن التشكيلي، والصورة الفوتوغرافية، كما كتب في قضايا الفكر والفلسفة، منشورًا في صحف عراقية مهمة مثل الصباح، البينة، الدستور، الصباح الجديد، أورك وغيرها، مما يجعله واحدًا من الأقلام المتعددة المواهب، التي تكتب بروح الباحث والمبدع معًا. صدر له كتاب نقدي مهم بعنوان: "سيمائية الرمز في ثنائية الموت والانبعاث في شعر عادل الياسري"، وهي دراسة تُعنى بتفكيك البنى الرمزية في الشعر، وتسبر أغوارها في ضوء العلاقة الجدلية بين الفناء والانبعاث، في خطاب شعري معاصر يحمل أصداء الموروث والقلق الوجودي معًا. ما أوصّى به الجبل: القصيدة بوصفها نبوءة، في دراسة لافتة كتبها الشاعر والناقد حمزة فيصل الليباوي، عن قصيدة سعد المعموري الموسومة "ما واصّى به الجبل"، نُشرت في الصحف الجزائرية، يقدّم المعموري بوصفه شاعرًا لا يصف العالم، بل يخترعه من رحم الرمز. يبدأ النص بعبارة ساحرة: " قرآن ازلي بين الماء والصخر،ومن الندى سجادة ليصلي عليها ظل أبي المتدلي بلحية الجبل"، هنا لا يعود الأب ميتًا، بل ظلًا مصلّيًا، ولا يعود الجبل جغرافيا، بل هوية ومقدّس وسند أسطوري، يحمل في صمته وصاياه للقرية، وللوطن، وللشاعر نفسه. يقول الليباوي: "يصعد إلى الغيم ويعصره زادًا للمدن"، وفي هذه الصورة يتحول الجبل – الأب – إلى كائن كوني، يصعد لا ليعتزل، بل ليجلب الحياة، فيجعل من الميتافيزيقيا محنة وجودية ومن الرمز رسالة خلاص. إن المعموري في هذه القصيدة لا يستعير الأسطورة، بل يبنيها من جديد، يضع الجبل في موقع الصرخة، فيقول: "لا تأمنوا... فالطغاة دود الأرض"، وهكذا، يصير الموروث حارسًا، والطغيان مطاردة لا تنتهي، والمخلّص شخصًا منسيًا يصعد من أعماق القصيدة ليغيّر وجه التاريخ، أو على الأقل، يعيد كتابته بلغة الشعر. رأي النقاد: شاعر الرموز الحيّة يرى كثير من النقاد أن سعد المعموري يمثل جيلًا من الشعراء الذين لا ينحازون إلى الصنعة أو الاستعراض اللغوي، بل إلى الرؤية والتجربة والمعاناة الصامتة. قصائده النثرية، المليئة بالرموز والطبقات، تشكّل أنساقًا تأويلية مفتوحة، تجعل القارئ شريكًا في الحفر، لا متلقيًا فقط. كما أن توزّعه بين الشعر والنقد والقصة والفكر، منحه عدسة مركّبة، ينظر بها إلى العالم نظرةً تحليلية تخترق السطح إلى الجذر. ليس شاعرًا لحظةٍ عابرة، بل باني نصوصٍ قابلة للعيش والتذكّر والجدل. في أعماله نجد صوت الأرض والقرية والأب والجبل، لا بوصفهم موضوعات، بل بوصفهم علامات رمزية تحيل إلى الأعمق، إلى الأسئلة الكبرى: من نحن؟ وما الذي ننتظره؟ وما معنى أن نكتب في زمن الخسارات المتراكمة؟ شاعر بانتظار من يفك شفراته يبقى سعد المعموري شاعرًا لم يُستنفد بعد، نصوصه تُقرأ على أكثر من مستوى، وهي – كما قال أحد النقاد – "لا تُفهم دفعة واحدة، بل تُذاق على مهل، كما تُذاق القصائد النادرة التي تأتي من الذاكرة والخيال معًا". هو شاعر يكتب في صمت، لكن صوته يصل من أعالي الجبل. |
المشـاهدات 127 تاريخ الإضافـة 28/07/2025 رقم المحتوى 65196 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |