الثلاثاء 2025/9/9 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
نيوز بار
هل لخيانةِ المثقفِ مبرر !
هل لخيانةِ المثقفِ مبرر !
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

رافع بندر خضير

 

في سياحةٍ سريعةٍ لكتاب( جوليان بايندا ) وهو يُصوب سِهامهُ نحوالنخبة المثقفة  لابد من التأمل وتوخي الدقة في كل معنى من معاني الافكار التي تَرِدُ في هذا الكتاب وهذا الفكر الذي يحاول فيه الكاتب ان لا ينحرف بالسير عن عجلات القطار . فطالما قَوَمَه  بتذكير النُخب المثقفة ان يصروا على مبادئهم  التي تستحق الدفاع عنها والتي هي الحصن الذي يتصدى  لكل سِهام الشر التي تتقصد الانسانية دون تميز وهو بهذا يصف المثقفين على انهم اولئك الذين لا يسعون وراء المصالح والمكاسب . بل يجدون سعادتهم في ممارسة فن او مزاولة علم او بحث في نظريات ما وراء الطبيعة . وتكمن سعادتهم في الترفع عن ملذات الحياة .

وبهذا يُصنف المثقفين الى ( رجال دين وفلاسفة وادباء وعلماء وفنانين) ويُحَمل هذه النُخب مسؤولية الدفاع عن مبادىء الانسانية ومحاربة كل المظاهر الدونية التي يمارسها الناس وعلى راسهم السياسيون الذين وصلوا الى السلطة اما بتكتلات حزبية شرسة او بلحظة ضعف في سلوك البنية الاجتماعية او باهمال الجانب الانساني الذي يتخذ من الخطاب العاطفي او المذهبي سبيلا للوصول الى ما ينبغي تحقيقة من ملذات على حساب الناس . ويحيل ذلك الى ان اخلاق البشر العاديين تدفعهم لأرتكاب الشر بإستمرار ويمضون طوال حياتهم  وهم يحاولون ان يحولوا الشر الى خير  رغم اصرارهم على ارتكابه . يؤنبون ضمائرهم كلما ارتكبوا هذا الشر . وهو بهذا يحمل الفئة المُثقفة الاهمال في حراستهم التي يجب ان تكون مشددة على قيّم الخير .

 وقد يكون هذا السلوك البشري الدنيوي ناتج عن دافعين رئيسيين   اولهما ( تحقيق المصالح المادية ) والثاني ( الحصول على التقدير والتعالي )  . ويبتكر صاحب الكتاب مصطلح مهم وهو  ( المشاعر السياسية ) ويقول ان هذه المشاعر هي السبب في صناعة الشر في العالم وهي المشاعر التي يحس بها الانسان انه مختلف عن الاخرين وصنفها الى  ( القومية والطبقية والعرقية ) والتي اصبحت تتحكم بقطاعٍ واسعٍ من الناس . ويحيل سبب ذلك الى ان الغاية من هذا كله هو تحقيق دوافع السلوك البشري الدنيوي والحصول على المكاسب المادية واشباع الرغبة في التميز والتعالي عند  الانسان .

وفي خطابٍ مباشر يرى ( بايندا ) ان مشكلة العصر التي اصابت البشرية انهم ( تركوا السماء ونظروا الى الارض ) ويطلق عليها ( كارثة التحول في المفاهيم ) . ويقول ان المثقف واجهته معضلة كبيرة  هي اما ان يعطي موافقته على الواقعية المادية النفعية ويخون بذلك مثاليتهُ او يواجه العقوبة الصارمة  التي تصل الى حد الموت

وانه اذا اصر على دعم الصواب من المبادىء فانه بذلك يضعف موقف الدولة واذا لم يقف مع الدولة والسياسيين سيحول العالم الى فوضى .

ويقول ان هذا التدهور هو الذي اصاب المثقفين وجعلهم يخونون طبيعتهم التي ساروا عليها منذ الاف السنين حيث ان المثقف سابقا كثيرا ما كان يواجه الضغوطات والعقوبات وعلى سبيل المثال رجال الدين والعلماء باعتبارهم من النخب المثقفة فقد فَقدَ العالم الكثير من العلماء ورجال الدين  العرب والذين  يبدو واضحا أن الكثير من العلماء والفلاسفة والمفكرين الذين نعتبرهم “مفخرة” في التاريخ الإسلامي، قد تعرضوا في زمانهم أو في زمن لاحق للتكفير، وأحيانا للعنف والتنكيل والقتل   بسبب السلطات المنحرفة التي تتخذ من  الاسلام السياسي مسارا لها .

لكن ظاهرة القتل تكاد تختفي في عالمنا هذا والسبب ان المثقفين عموماً يسيرون  في ركاب السلطة بل تحولهم الى جزء من الطبقة المهيمنة بعد ما تم تدجينهم وجعلهم يلهثون لهثاً حثيثاً  بالجري الذي لا يهدأ خلف المادة

وبهذا يرى الكاتب ان الناس يحتفلون و يُقيمون يوماً للارض ويوما للام  ويوما  للاب ويوما للبيئة والسبب ان كل هذه  الرموز منسية يحاولون استذكارها من خلال هذه الايام .  ولا يقيمون يوما للمال ولا يوما للذهب ولا للثراء لان كل هذه الرموز  غير منسية وهي حاضرة  في كل زمان ومكان .

 وبهذا اختفى المثقف الذي يواجه الموت ثمناً للكلمة الحق .

ويحيل الكاتب هذه النتائج الى السلطات الحاكمة لا سيما في زمن صعود اليمين المتطرف الذي يفضل اصوات الاثارة والشعوبية التي تنطلق من اشباه المثقفين ومحترفي النصب والاحتيال والمتكسبين على دروس المحبة وعدم الكراهية .

 ان المثقف كان  يوجه انتقادهُ مباشرةً ضد انواع الشر الذي تجسده السلطة غالبا فكان يصدح بالحق وفي هذا الزمن صار الظلم معلوماً ومنتشراً عالميا وان عدم انتشار القمع يدل على وجود صفة سلبية لدى المثقف حسب الكاتب .

فرجل الدين والفيلسوف والاديب  الذي يعترض على المظالم لم يعد موجوداً اما اذا قدمَ رجل الدين والفيلسوف والاديب المثقف نقداً لاهبا وحرك  البرك الراكده حورب حربا شعواء .

ويستطرد صاحب الكتاب بقوله ( ان هنالك عالما فقد معناه ) وذلك بانحسار دور المثقفين بكل مسمياتهم ادباء فنانين فلاسفة علماء مفكرين بحيث صار الاغلب منهم مروجين لواقع الوحشية ومؤسساتها المحببة اليهم وهذه حقيقة يعيشها العالم كله في كافة جوانبه   لانهم يرون ان الانسان المهيمن هو المثل الاعلى .  والواقع ان خطاب الاستعلاء كان مبكرا رغم وصول التنوير الى الفكر الانساني لكن هناك ازدواجية في الخطاب حتى لدى اشد المتعصبين والذي يتسأل بقوله ما هو التأثير الذي تركه المثقفين في العالم ؟

وليس ما يضمرون في صدورهم  فتصريحاتهم في ذروة المنفعة والتي كانت تؤكد انهم يعرفون  ضلالهم وان اصروا على انه هو الصواب وهو اكثر من جواز مرور مزيف يراد منه اسكات صوت الضمير . فالنفعيون يستخدمونه لادانة اعدائهم امام العالم الساذج الذي يصدق ازدواجيتهم.

ويتصور الكاتب ان جريمة مثقفي الامم المستقلة تخلّوا بصفتهم الاقوياء من النزعة الانسانية العالمية وقد تمسكوا بمصالح قومياتهم وصارت الانسانبة لديهم إنحطاطاً اخلاقيا هذا ما يتبعه المثقف ومن يميل اليه من السياسيين الذين يستخدمون  خطاب المبادىء لخداع الناس .

أتذكر  هنا مشهد القضية الفلسطينية في الوقت الذي يتشدد فيه الصهاينة ويعلنون ان دولتهم قومية يهودية ذات هوية حصرية ومقصورة عليهم وحدهم

على حساب شعب  مغلوب على امره من العرب الفلسطينيين والذين تُستلب كرامتهم وارضهم امام مسمع ومرأى العالم والعجيب نرى الانبطاح العربي السياسي يرفدهُ الخطاب الثقافي الذي يتحدث بسذاجة وخبث عن الانسانية وقبول الاخر ووجوب التعايش .

هذا ما وصلنا اليه ولم نتعلم من كل الدروس التي مرت بثقافتنا ومثقفينا منذ قرنين   ...  ويحيل الكاتب ذلك الى ان الذاكرة الجمعية سريعة النسيان والنخب المثقفة قد خانو مبادئهم بوصفهم مثقفين كرسو حياتهم لخدمة العقل ..

( الجزء الثاني من المقال بعد حين )

المشـاهدات 68   تاريخ الإضافـة 06/09/2025   رقم المحتوى 66401
أضف تقييـم