الثلاثاء 2025/10/14 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 30.95 مئويـة
نيوز بار
بلاغ من ميت قصة قصيرة
بلاغ من ميت قصة قصيرة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

حسن غريب أحمد

 

أخذ طريقه نحو مكتبه بحزم و ثبات .. بينما أخذت الأيدي ترتفع له فى ثبات وانتظام .بعد أن تقع عيون أصحابها على التاج الذهبي و النجمتين اللتين تحفانه كوصيفتي عروس ، أخذ تلحقان بعروسهما تزينانه و تعطرانها .. بينما أخذ يمشى فى خُيلاء واضعاً عينيه على الباب الخشبي الأبيض الذى يحمل اسمه بحروف سوداء بارزة .. دخل الغرفة فقابله الجدار بتكشيرة ظهرت فيها بقع من الطلاء الذهبى وقع بفعل رصاصات المطر و الرطوبة التى تلتهم كل شىء .. و العفن المستطير الذى تملأ رائحته المكتب . جال ببصره كى يقابله الوجه الذى نبتت فيه شعيرات قصيرة سوداء و تهدلت عيناه بشكل ناعس .. و التمعت فى مقلتيه نظرة رجاء حارة ... ابتسم فى سخرية بل فى شماتة بينما انخفضت مؤخرته لتلامس المقعد الجلدى الأسود الوثير .. أخذ يدور يميناً و يساراً .. ملقيا نظرة احتقار على الكاتب القصير الذى فتح دفتره مسبقاً و أمسك القلم و أخذ يلفه بين أصابعه .. منتظراً بدء الاستجواب ..ـ ما اسمك ؟ قفزت هذه الكلمات من حلق الضابط لتسقط على مكتبه بفعل جاذبية لا متناهية التى فرضتها قسوة نظرته .. ارتفعت حلقات التعب التى تحكم حصادها حول عينى الرجل .. ناظرة إليه ــ اسمي سائق بريء .. نعم يا سائق بريء .. لماذا دهست المواطن المذكور أعلاه .. وأردف فوراً هاباً من مقعده ليعطي جملته تأثيراً خاصاً : لا بد أنك تعمدت ذلك . " واللهي العظيم ما لمسته .. انا وجدته ملقًى على قارعة الطريق ينزف بغزارة .. فآثرت أن أنقله للمستشفى بدلاً من أن يموت. تدحرجت دمعة كبيرة شاقة طريقها عبر الحلقات إلى ذقن سائق بريء .. حيث صعب لها المقام . ــ أنت المتهم الأول . و لكنني لم أدهسه .. واللهي العظيم لم أدهسه . هل تنكر أنك دهسته ؟ نظر إلى الكاتب نظرة ذات مغزى وجد القلم نفسه بعدها حُراً " يا أخى حتى لو كان يقول لك ( فى عرضك ) ما كان يجب عليك أن تنقله . و اكتسب صوته لهجة نصوحة . يا ولدى ليس هناك مكان للإنسانيات و المشاعر فى هذا العصر . الإنسان لا يساعد الإنسان كما أن القانون هو القانون . ( لو حلفوك بحياة أبيك الذى يرقد في قبره ليس هذا الوقت .. وقت الحب و العطف ) .. لحقت بالدمعة الأولى أخريات كثيرات . " التفت إلى الكاتب " .. اكتب و قد اعترف السائق البريء بأنه دهس المواطن المذكور أعلاه ، و قد نقله بنفسه إلى المستشفى و أغلق المحضر فى ساعته و تاريخه وهوى بقبضته على جرس حقير يحتل ركناً من سطح مكتبه . ليفتح الباب و يطل على عتبته جندي يضرب كعبيه بعضها بقوة .. ــ خذه .. مظلوم واللهى مظلوم .. ظلت الصرخة تسقط فى وادٍ سحيق .. و صداها يتردد كعصفور حبيس .. يروح و يغدو داخل القضبان الصلعاء و تنسكب حروفها فى أذن الضابط حتى غاب الصوت تماماً .. شد الضابط قامته و هز كتفيه جاعلاً رتبتيه تصدران صوتاً ما .. نظر إلى الكاتب الذى أغلق الدفتر وهو ينظر إلى الضابط نظرة عتاب .. ظل يكررها بين الفينة و الأخرى . عاود النظر فيما حوله .. و صرخة الرجل ما زالت تطرق جدران أذنيه . نفض تراباً وهمياً كان قد استقر على بزته .. فتح عينيه عن آخرهما عندما تذكر ميعاده المضروب مع خطيبته الجميلة .. على شاطىء البحر بين أحضان الطبيعة المحيطة بأشجار النخيل فى كافيتريا يطل على الشاطئ مباشرة . ورمى أمره بالانصراف إلى الكاتب الذى التقطه بسرعة . أخذ قراره بعدم ركوب سيارته هذه المرة .. وفضل الذهاب ماشياً إلى المطعم .. و فى أثناء الطريق لمح محلاً للورود تزين واجهته الألوان الصفراء و الحمراء و البنفسجية . دخل إلى المحل اختار منه باقة جميلة تناسب عروسه وأخذ طريقه خارجاً من الحانوت . حالماً .. لامس كعب حذائه أرضية الشارع .. ترامت إلى مسامعه صرخات أنثوية و أخرى رجولية و كلها تفيد التحذير .. عندما التفت بوجهه إلى يسار الشارع .. التقت عيناه مقدمة السيارة المقتربة بسرعة .. لم يستوعبها ولم يرها في حياته كلها كرصاصة تشحن أسنانها لكى تمزق قلب أحدهم لم يستطع أبداً أن يلتفت ليرى رقم السيارة التى أخذت طريقها مبتعدة بسرعة أكبر امتلأ أنفه برائحة الزهور بينما ملأت نكهة الدم فمه . أحس بغثيان شديد فى حين أخذ الناس ينفضون عنه .. بدأت الدنيا تُسد أمامه .. لفت عقله دوائر متهدلة ذكرته بشخص لم يستطع أن يربط اسمه بصورته فى حين أخذت أنفاسه تأخذ طريقها للهواء الطلق بصعوبة . نطقت شفتاه بالكلمات : بعرضكم بحياة ابيكم.

المشـاهدات 667   تاريخ الإضافـة 26/09/2025   رقم المحتوى 66931
أضف تقييـم