النـص : إن الحياة السياسية، ما لم تكن مؤطرة بضوابط و معايير لإدارتها و تسييرها، فسوف تقع فوضى سياسية لها انعكاساتها الخطيرة التي تجر البلد إلى كوارث. لقد وضعت الحضارة الحديثة، معايير للحياة السياسية تحفظ حق الشعب في تجسيد إرادته كونه مصدر شرعية السلطات، و تضمن ممارسة السياسيين للعمل السياسي وفق نظام سياسي و ضوابط سياسية، و على هذا قامت الديمقراطيات الحديثة التي حققت الاستقرار و أوجدت قاعدة الأمن و الازدهار في المجتمعات الغربية. في الديمقراطيات الحقيقية، لا يستطيع شخص أو جهة، فرض نفسه على الساحة السياسية خارج ضوابط الممارسة السياسية، و لا يستطيع أحد التحرك وفق دوافعه مهما كانت تلك الدوافع خارج المعايير، و لا ادعاء تمثيل شعبي خارج وسائل التمثيل و ضوابطه.من يحق له ممارسة العمل السياسي، إن كان من موقع السلطة، فيجب أن يتسلم مسؤوليتها عبر انتخابات نزيهة، بعد أن يكون واجدا للمواصفات المطلوبة في المنصب أو الموقع، أو بتعيين من سلطة منتخبة شعبيا. و إن كان من خارج السلطة، فيجب أن يكون عبر أحزاب خاضعة لقانون الأحزاب السياسية المصادق عليه رسميا، و الذي يحدد معايير موضوعية لعمل الأحزاب بما يضمن تحقيق الديمقراطية حقيقة، و تقدم الأحزاب رؤيتها و برامجها للشعب، و تخوض الانتخابات بمرشحين أكفاء، و تحصل على أصوات الناخبين، و يتحدد حجمها و تمثيلها وفق ذلك، و تعمل تحت قبة البرلمان في إطار نظام يحكم السلطة التشريعية بضوابط موضوعية، مضافا إلى لزوم وجود قانون معياري للانتخابات يتسق مع فلسفة الديمقراطية، و القاعدة الفكرية التي تقوم عليها. بغير ذلك، سيكون أي حديث عن الديمقراطية تافها لا قيمة له، و يكون ادعاء الديمقراطية زائفا، و تتحول الانتخابات من لعبة سياسية لها اعتبارها، إلى لعبة تلهية بل خداع. و في ضوء ذلك يُعرَف السبب في تعثر الديمقراطية في العراق، و السبب في عدم إنتاج الانتخابات للتغيير الذي يتطلع اليه المواطن العراقي، الأمر الذي جعل الناخب العراقي يعزف عن المشاركة في الانتخابات، و أدى ذلك إلى دوران البلد في حلقة مفرغة، فعدم المشاركة الواسعة في الانتخابات، مضافا إلى الخلل في ديمقراطية العملية السياسية في العراق، يقودان إلى احتكار قوى معينة يعتبر بعضها الضد النوعي للديمقراطية، للعملية السياسية التي فصّلت منذ البداية على مقاساتها. ليست الديمقراطية مجرد صندوق انتخابي، و تفشل إذا اختُزِلت بذلك، و إنما هي منظومة سياسية - مجتمعية، لها قواعدها و أصولها التي جعلت منها نموذجا حضاريا، و صمام أمان للحياة السياسية السليمة.
|