الخميس 2025/10/9 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
نيوز بار
أقلام دونية... تتقن جلد الذات وتعبد الدولار
أقلام دونية... تتقن جلد الذات وتعبد الدولار
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

ما أبشع أن ترى بعض الأقلام وقد تحولت من أدوات وعيٍ إلى سكاكين رخيصة تُمزق جسدها ومذهبها وبيئتها التي أنجبتها، لتنال رضا سماسرة السياسة وأرباب المنابر الصفراء. وما أوجع أن ترى الكلمة تُباع في سوق السياسة كما تُباع الرقيق في أسواق النخاسة القديمة، أقلامٌ دونية تنحني ذليلة عند أقدام الدولار، هناك، في زوايا المشهد المظلم، تلوح وجوهٌ ذابلة وعيونٌ ماكرة، وأصوات نشاز تحترف وتستسهل شتم أبناء مذهبها وتنهش أبناء جلدتها دون خجل، بينما تغض الطرف وتصمت صمت القبور حينما يتعلق الأمر بشركاء السلطة من السنة والأكراد، أولئك الغارقين في نعيم الفساد وملذات الحكم، وكأن الفساد حكرٌ على طرفٍ واحد دون سواه.هؤلاء الكتبة الذين يرفعون اليوم شعارات الوطنية الزائفة، كانوا بالأمس جزءاً من منظومة السلطة التي يجلدونها اليوم. جلسوا على موائد الأحزاب، تقاسموا معها الامتيازات، وتسلموا الرواتب والحوافز والشقق في قلب المنطقة الخضراء. عاشوا في كنف النفوذ، واستظلوا بظل المال السياسي، وحين لفظتهم الأحزاب كما تُلفظ النفايات، لبسوا ثوب "الثورة والنزاهة" وادعوا "الوطنية"، وصاروا يجلدون ما كانوا بالأمس يعبدون، ويُشيطنون من كانوا بالأمس يتزلفون لهم. حتى انقلبوا إلى وعّاظ إصلاحٍ ونُزاهة و وطنية!أيُّ وطنية هذه التي تُبنى على الحقد الطبقي والطائفي؟ وأي شرفٍ في أن يُشيّد المرء مجده على أنقاض بيئته؟ هؤلاء ليسوا إصلاحيين ولا ثواراً، بل انتهازيون مهرة في القفز من مركبٍ إلى آخر، حيثما مالت الريح ومضى الدولار والدينار. يبدّلون جلودهم كما تُبدّل الأفاعي ثيابها، يطلّون بأقنعة مختلفة، مرة باسم الحرية، ومرة باسم الصحافة، ومرة تحت شعار "صوت المواطن"، لكن جوهرهم واحد، عبودية المصالح.هؤلاء ليسوا كُتاباً بل سماسرة الحروف، يتنقلون بين الولاءات كما يتنقل البائع بين الأسواق. اليوم ضد، وغداً مع، وحين يلوّح لهم الدينار يكتبون شعراً في الفاسد، وإذا توقف الراتب تحول الفاسد إلى شيطان رجيم! لا يعرفون الوفاء إلا للمال، ولا يحترمون مبدأً إلا ما يدرّ عليهم مصلحة.هم ليسوا سوى شياطين الإنس، ينهشون في لحم مجتمعهم بأقلام مأجورة، ويكتبون بلغة مسمومة تملؤها الأحقاد الصغيرة والتسويات الخبيثة. لا يجرؤون على نقد الأسياد الحقيقيين في مناطق النفوذ الأخرى، ولا يقتربون من أبراج الفساد التي بناها شركاء الحكم، لأنهم يعرفون أن حدودهم مرسومة بالدولار، وأن جرأتهم انتقائية، موجهة فقط نحو “أبناء جلدتهم”.الكتابة، أيها السادة، فعل ضمير وموقف قبل أن تكون رزقاً أو شهرة. لكن هؤلاء حوّلوها إلى سلعة في سوق النخاسة السياسية. يكتبون لمن يدفع أكثر، ويلوّنون مواقفهم بألوان الحوافز والرواتب. لا يعرفون الثبات إلا في المصلحة، ولا يملكون مبدأ إلا ما يُرضي ممولهم.فبئس تلك الأقلام التي باعت شرف الكلمة، وبئس تلك الأصوات النشاز التي تلوث فضاء الوطن بنفاقها، وبئس تلك الوجوه المقرفة التي تتبدل كلما تبدل لون العملة.إنهم ليسوا كتّاباً... بل أدوات قذرة في معركة القيم، وذلك هو الخطر الأكبر من الفساد نفسه: حين يتحول من سرقةٍ للمال العام إلى اغتيالٍ للوعي العام.

المشـاهدات 127   تاريخ الإضافـة 08/10/2025   رقم المحتوى 67164
أضف تقييـم