الأربعاء 2025/10/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 20.95 مئويـة
نيوز بار
مَن يَدَّعون الصلاحَ والأخلاقَ هم أوَّلُ ناسٍ يُغادِرونَ السَّفينةَ قبلَ غَرقِها.
مَن يَدَّعون الصلاحَ والأخلاقَ هم أوَّلُ ناسٍ يُغادِرونَ السَّفينةَ قبلَ غَرقِها.
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب م. حسين زين العابدين الشيخ عبوش
النـص :

 

 

 

في سَفرةٍ لي إلى مدينةِ بغداد في نهايةِ التسعينات من القرن الماضي، وتحديدًا بعد اتفاقية "النفط مقابل الغذاء والدواء"، أي في عام ١٩٩٧، وقبل أحد العيدين، أردتُ السفرَ إلى بغداد، فأعددتُ حقيبتي وحملتها، ووصلتُ إلى كراج بغداد في منطقة المحطَّة في الموصل. وجدتُ سيارة "لاندكروز" مدنية، عرضَ علينا سائقُها أن يُوصِلَنا إلى بغداد بأجرٍ مناسبٍ جدًّا لنا، ولكي لا أستقلَّ سيارات "النيسان" التي كانت تحمل ٤٤ راكبًا وأتحمَّل عناءَ الطريق ومختلف أنواع الروائح والتفتيش في السيطرات، وافقتُ.كان الجوُّ ممطرًا، ولكن المطرَ كان قليلًا ومُتفاوتًا في الأماكن. ركب معنا رجلٌ آخر، أخذ يتجاذب أطرافَ الحديث مع السائق ووالده. كانت السيارة تسير بحذر، وفي المنطقة بين بيجي وتكريت، كان الشارع، وبفعل الأمطار، زلقًا. ولأنَّ الراكبَ الثاني طلب من السائق الإسراع قليلًا، فزلقت السيارة وانقلبت.لم أرَ نفسي إلا وأنا جالسٌ على سقف السيارة بعد أن استقرَّت عليه. كسر الأبُ زجاجَ السيارة الجانبيَّ بعصاه، وخرجنا بمساعدة الركاب وأصحاب السيارات التي توقفت لنا بعد الحادث. بدأ الراكبُ الثاني يُعطي الوعودَ بأنَّه لن يترك السائقَ إلى الموت، وأنه سوف يبقى مع أصحاب السيارة إلى أن يجدوا لها حلًّا ويأخذوها إلى الميكانيكي.بقيتُ ساكتًا، لم أتفوَّه بكلمة، لأنني أعرف أن الكلمةَ وعدٌ وميثاقٌ يُؤخَذ منك. بعد قليل، مرَّت سيارة "نيسان" لنقل الركاب وتوقفت لنا، فصعدتُ إليها، فوجدتُ ذلك الشخص أمامي، بل إنه صعد قبلي إلى الحافلة! بقي هذا الموقفُ عالقًا في ذهني كدلالةٍ على الشخص الذي يكون أولَ من يُغادر موقعًا ما، وهو الذي أعطى الوعودَ والعهودَ بالبقاء. ولو أنه سكت، لكان أفضل للجميع، فهو من يُعطي أملًا كاذبًا للبقية، وهو نفسُه من يُقوِّي الظالمَ على ظلمه، فيُزيِّن له أفعالَه السيئة بأنها حلولٌ ناجعة. أطلتُ الموضوعَ لكي أصل إلى نصيحةٍ للجميع: لا تثقْ بمن يتحدث كثيرًا ويُعطي الوعود، فهو أولُ الذين يتركون السفينةَ عند الغرق. سوف ترى الجميعَ يدور في فلك الشخص المسؤول عنهم في مختلف نواحي الحياة ومختلف المواقف، وسوف تراهم أولَ الموافقين على أي شيء يقوله، حتى إن كان فيه تجاوزٌ على حرية وحقوق الآخرين، وهم أولُ المقترحين لمواضيع ساذجة، حتى لو كان هذا الأمرُ يضرُّ البقيةَ معهم. أتدرون لماذا؟  أولًا: لأنهم يُحاولون أن يُغطُّوا بعضَ النقص في مختلف جوانب شخصيتهم. وثانيًا: لأنهم هم أولُ من سينقلب عليه في حالة وجود مشكلة، ويتركوه لوحده. وهم أولُ الذين يتركون السفينةَ في حالة الغرق. ولا أدري كيفَ لِمَن يملك عقلًا أن يُصدِّق مثلَ هؤلاء النماذج المتملِّقة. ولكن في عُرف الناس: "شبيهُ الشيءِ منجذبٌ إليه"، أي أن الاثنين من نفس المعدن. أناسٌ تربَّوا على تفضيل المصلحة الشخصية والأنانية على البقية، وفي عقولهم المحدودة، فهذا الشيء لهم إنجازٌ كبير، مستعدون للتنازل عن أعزِّ وأغلى ما يملكه الإنسانُ في سبيل هذه المصلحة التي لا تُعدُّ شيئًا يُذكَرُ بالنسبة لما فقدوه من الشرف والصدق والأخلاق وعزَّة النفس. فأصبحوا في منطقةٍ أدنى من مرتبة بعض الحيوانات، فبعضُ الحيوانات، مثل الخيل الأصيل، لا يقبل الإهانة.

المشـاهدات 68   تاريخ الإضافـة 15/10/2025   رقم المحتوى 67357
أضف تقييـم