قصة قصيرة
الصر![]() |
| قصة قصيرة الصر |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
د.منهل الهاشمي
مرتدياً البدلة الحمراء إياها. يجلس منتظرا التنفيذ بعد هنيهة مستندا بظهره على الجدار، ثانياً ساقيه على صدره، شابكا ذراعيه حولهما، ورأسه متقهقر الى الخلف متوسداً الجدار. أفكاره مشوشة.. أعصابه مشدودة متحفزة.. مستوفزة... وذهنه لا يستقر على حال. إلتفتَ يمنة عن دون قصد... لكنه سرعان ما عاد في الحال لما صادف ورآه !!. في ركنٍ قصيٍّ من الجدران الرطبة المتهالكة المهترئة التي طواها الصمت والجمود والعدم، كان هناك شق صغير في كُوّة ضيقة، حدثَ مشهد صغير مزق ستار القلق والتوتر والاضطراب والاكتئاب. كانت هنالك نملتان واحدة منهما أكبر من الأخرى بشكل ملحوظ تتجاذبان صرصارا ميتا متيبسّا. واحدة تشدُّه من قرنه، والأخرى من ذيله، وتتصارعان عليه كما لو كان آخر ما تبقّى لهما من أمل في الحياة، محاولتين جرّه للشق والظفر به لوحدها رغم أن حجم الصرصار وثقله يكبرهما بكثير. ومع أنّ الكبرى كانت أكبر وأقوى، إلا أن الصغرى بدت نداً عنيداً لها للغاية ومستقتلة على الظفر بغنيمتها. شدّه المشهد بقوة وأثار فضوله، نظر إليهما مأخوذا متابعا الانقضاض والتشبث، والتقهقر المتبادل. أخذ يراقب ويرقب ما سيحدث. تابع الصراع وكأنه بات فيه خلاصا مؤجّلا له، أو وعداً بأنَّ ما بعد الموت ليس بالضرورة أكثر إثارة وشدة مما قبله. أضحى وكأنه طفل يتلهف لمعرفة نهاية حكاية مشوقة.. مسلية.. مشدودا بصراعها وتشويقها، متوحدا مع الصرصار وحاله.. ومآله وكأن مصيره بات معلقا بمصيره !!. في تلك اللحظة الدراماتيكية الفاصلة تضاءَل الموت ذاته أمامه، رغم أنه لم يكن يوما غريبا على ذهنه، بل كان يتوقع نهايته تلك في اية لحظة. إلا أنَّ الموت أضحى الآن مجرد خلفية باهتة لمشهد كوني شمولي أعظم وأعمق... وألغاز فلسفية أكثر غموضا وإبهاما والتباسا من الحياة، حتى طغت تلك المشاعر والأفكار على داخله المضطرب المضطرم... المهزوم المأزوم. لا يدري لمَ كانت ثمة في داخله رغبة دفينة مبهمة أنْ تنتصر الصغيرة على غريمتها، وإنْ بدت معطيات الواقع عكس ذلك.
- هيا أيتها الخائبة... جرّيه.. قبل فوات الاوان بلا وعي منه خاطبها مشجعا بحرارة وصوت مسموع. وإذ بالكبرى تجاهد وتسحبه بقوة. بيدَ أن الصغرى سرعان ما استجمعت قوتها وعادت لتنازعها عليه ثانيةً باستماتة. يحتدم الصراع ويتصاعد ويغدو اكثر اثارة. تارة تكون الغلبة للكبيرة وأخرى لغريمتها. خُيّل إليه أنَّ نملته الصغيرة سمعت رجاءَه أخيراً. بعناد الثيران وإصرارهم تظفر به ساحبةً إياه نحو الشق الذي يبعد سنتمترات قليلة. لا إراديا ندت عنه شبح إبتسامة باهتة في زاوية فمه. تناهى لمسامعه وقع أقدام تقترب بنسق واحد بقوة.. وثبات. - اسرعي يا غبية.. لقد أتوا ! خاطبها بتوسل، لكن حال دخولها الشق أعقبتها الكبيرة في اللحظة الأخيرة. بصرير قوي مزعج يُفتح باب الزنزانة الصديء بغتة. من مكانه هبَّ مذعوراً. دخل عليه ضابط يتبعه رجلان عملاقان بشكل مخيف يرتديان السواد كاملاً وذوي شاربان طويلان كثّان. - هيا انهض خاطبه الضابط بلهجة حادة آمرة. أمام باب غرفة الإعدام وقف ليستمع بعينين زائغتين وذهن شارد للضابط وهو يتلو عليه منطوق الحكم بطريقة آلية حيادية تخلو من أية عاطفة أو تأثر. طلب منه الشيخ الذي كان يجاور الضابط أن يعلن التوبة والمغفرة عما اقترفت يداه من جرائم ثم التشهّد. فَعل ما طُلب منه دونما وعي او تركيز. سأله الضابط السؤال التقليدي الرسمي المعهود : - أَفي نفسك شيء أخير؟ أجاب صادقاً برجاء : - نعم... أريد فقط أن أعرف مصير الصرصار !! |
| المشـاهدات 27 تاريخ الإضافـة 26/10/2025 رقم المحتوى 67725 |
توقيـت بغداد









