الخميس 2025/11/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 13.95 مئويـة
نيوز بار
بغداد خارج بغداد.. قصيدة رثاء سينمائية لمبدعين عراقيين
بغداد خارج بغداد.. قصيدة رثاء سينمائية لمبدعين عراقيين
سينما
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

 

عمان - تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبدالحميد شومان، الفيلم العراقي “بغداد خارج بغداد” للمخرج قاسم حول، في قاعة السينما في مقر المؤسسة بجبل عمان. ويدخل المخرج العراقي قاسم حول في فيلمه المعنون “بغداد خارج بغداد” العراق من بوابة جديدة تفتح له ذاكرة ماضي وطن استوعب منذ تشكله كدوله حديثة فترة الانتداب البريطاني في القرن العشرين الماضي منجزات الحضارة المعاصرة، وبرز فيه من ذلك الوقت العديد من المبدعين في شتى المجالات الأدبية والفنية والذين يركز الفيلم على البعض منهم وتنبني حكايات الفيلم المتنوعة من خلالهم: الشاعر جميل الزهاوي والشاعر معروف الرصافي والمطرب مسعود العمارتلي، أو بدقة أكثر، المطربة مسعودة التي تنكرت في زي رجل كي تتمكن من ممارسة شغفها بالغناء واشتهرت باسمها الذكري، وأخيرا الشاعر بدر شاكر السياب.في تقديمه لحكايات أولئك المبدعين والذي تنتهي حكايات كل واحد منهم بموته ودفنه، يقصد المخرج أن يجعل من كل حكاية مرثاة لمبدع رحل عن الدنيا، وهو رحيل عزاءه الوحيد أنهم دفنوا في أرض العراق، وهو عزاء يحيل المشاهدين إلى الواقع المؤلم الذي يعاني منه المبدعون العراقيون في الزمن المعاصر حين يضطرون للموت في الغربة.وللتعبير عن هذه الفكرة يقدم المخرج واحدا من أجمل المشاهد وأكثرها تأثيرا، وهو مشهد دفن بدر شاكر السياب. في المشهد الأول نرى السياب في سيارة أجرة متجها للكويت بحثا عن عمل بصحبة سائق لا يعرف من هو السياب. في المشهد الثاني نرى السائق نفسه بعد سنوات عائدا بصحبة شخص كويتي صديق للسياب مصطحبين معهما جثمان الشاعر الراحل.وفي المشهد الثالث يهطل المطر الغزير ويوقف السائق السيارة يريد تغطية جثمان السياب الموجود فوق سطح السيارة فيقول له الصديق الكويتي: السياب يحب المطر (في إشارة ذكية لقصيدة السياب الشهيرة “أنشودة المطر”). في المشهد الرابع يقوم الاثنان تحت وقع المطر الغزير بدفن السياب على جانب الطريق، إنما في أرض العراق. وهذا المشهد يمكن اعتباره، كما الفيلم كله، عبارة عن قصيدة سينمائية.قبل تقديمه لحكايات هؤلاء المبدعين يفتتح المخرج فيلمه بحكاية جلجامش الشخصية الأسطورية العراقية الباحث عن الخلود والخائف من مصيره المحتوم بعد موت صديقه أنكديكو، وكأن المخرج بذلك يسعى لإيجاد الخط الواصل ما بين مراحل الحزن العراقي عبر التاريخ، هكذا نفهم دلالة أن ينتهي الفيلم بجملة صاعقة يقولها حارس مقبرة لصديق له وهما يتجولان بين القبور: “التاريخ رحل وأخاف أن ترحل الجغرافيا”.رغم كل هذا الحزن الذي يتغلغل في الفيلم، لا يبخل المخرج على الجمهور بتقديم العديد من المشاهد ذات الطابع الكوميدي. كما يحسب للفيلم أيضا الأداء الرائع لجميع الممثلين والممثلات بلا استثناء، وغالبيتهم من الفنانين العراقيين من ذوي الخبرة الكبيرة والطويلة في المسرح والسينما.من بين المشاهد الممتعة في الفيلم ثمة مشهدان مميزان، يصور المشهد الأول كيف تقبل الناس أول عرض سينمائي، ويصور المشهد الثاني بداية انتشار جهاز الغرامافون بين الناس. ولا يتبع المخرج بنية درامية سردية تقليدية، بل يقدم مشاهد منفصلة إنما يجمعها الحس العام المشترك والموضوع المشترك، بحيث تنتمي بنية الفيلم العامة إلى الشعر ما يجعل من الممكن اعتبار الفيلم قصيدة رثاء سينمائية خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار عناية المخرج الفائقة بجماليات التصوير.والمخرج والكاتب العراقي قاسم حول من مواليد مدينة البصرة عام 1940، نشأ في بيئة جنوبية أثّرت في وعيه الفني والإنساني لاحقًا. درس التمثيل والإخراج في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وتخرج منه في منتصف الستينيات. منذ بداياته، كان مولعًا بالمسرح والسينما، فجمع بين الحس الفني والرؤية الاجتماعية والسياسية. اضطر قاسم حول إلى مغادرة العراق بسبب الظروف السياسية والرقابة الصارمة، فانتقل إلى لبنان ثم هولندا، حيث عاش في المنفى لسنوات طويلة مواصلًا نشاطه الثقافي والفني.قدّم عددًا من الأفلام التي أصبحت علامات في السينما العراقية والعربية، منها فيلم "الأهوار" (1975)، وهو عمل وثائقي يصوّر حياة سكان الأهوار العراقية ويُعدّ مرجعًا بصريًا نادرًا لتلك البيئة الفريدة. كما أخرج فيلم "بيوت في ذلك الزقاق" الذي واجه تدخلات رقابية أثناء إنتاجه. وفي مرحلة لاحقة، أخرج فيلم "المغني" (2010) الذي تناول علاقة الفنان بالسلطة والحرية في إطار رمزي، إضافة إلى فيلمه "بغداد خارج بغداد" الذي يعبّر فيه عن تجربة الغربة والمنفى بعمق إنساني وفكري.

المشـاهدات 29   تاريخ الإضافـة 13/11/2025   رقم المحتوى 68237
أضف تقييـم