الثلاثاء 2025/12/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 10.95 مئويـة
نيوز بار
بين الملاعب والمجالس
بين الملاعب والمجالس
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

 

 

 

 

أفتح التلفاز، وأجد نفسي في رحلة سريعة بين مشاهد كأس العرب في قطر، وضوضاء الملاعب الأوروبية، وبين عناوين الأخبار التي تفيض من كل شاشة: حروب، تحالفات، صفقات، وقرارات تصنع مستقبل الأمم. في هذه اللحظة، يصبح العالم كله ملعباً واحداً، والكرة تتحرك كما تتحرك المصالح والدبلوماسية.

 

في الرياضة، كل شيء واضح: خطوط الملعب، القوانين، صافرة الحكم، كل هدف يُحسب بدقة. أما في السياسة، فالحدود مرنة، والقوانين تتشكل حسب قوة اللاعبين، والحاكم غالباً هو الأقوى أو الأكثر نفوذاً. الفرق الصغيرة تحاول الالتزام بالقواعد، لكن اللاعبين الكبار يغيرون مجرى المباراة كما يشاءون، ويبقون قواعدهم في تحكمهم.

 

الانتصارات هنا ليست نهائية، والهزائم ليست قاتلة، فاللعبة مستمرة بلا توقف، والكرة تعود دائماً إلى الوسط، تنتظر من يتحرك بسرعة وذكاء. في السياسة كما في كرة القدم، التردد قاتل: القرار المبكر، حتى مع شكوك، أفضل من الانتظار الطويل. كل لحظة تمضي تمثل فرصة أو تهديداً.

 

اللاعب الماهر يعرف أن الفعالية لا تأتي فقط بالكرة، بل بالمساحات التي يشغلها، بالمواقع الاستراتيجية التي يسيطر عليها، سواء في قلب الملعب أو في قلب السياسة. بعض الدول تختار مربع الاقتصاد، وأخرى مربع القوة العسكرية، وثالثة مربع التأثير الثقافي، وكل مربع له أهميته في رسم مسار اللعبة الكبرى.

 

الموهبة الفردية تحتاج إلى فريق قوي لتتألق. اللاعب لا يصنع المجد وحده، والسياسة ليست مختلفة: تحالف متين، أو شبكة علاقات ذكية، تجعل من أي دولة أو قائد سياسي لاعباً مؤثراً، حتى لو صاحبه الحسد من زملائه في الفريق.

 

ومثلما تتعدد الدوريات في كرة القدم، تتعدد ساحات السياسة: مناطق النفوذ، التكتلات الإقليمية، التحالفات الدولية. على كل لاعب أن يوازن بين جهده وموارده، ويختار معركته بحكمة، فلا يمكن أن يكون حاضراً في كل مكان بنفس القوة. أحياناً يتوجب التراجع عن بعض الصراعات للتركيز على الساحة الأكثر تأثيراً، فالمهم الفوز في اللعبة الكبرى، لا الانشغال بكل مباراة صغيرة.

 

أشد اللحظات إثارة تلك التي تجبرك على التحرك بلا كرة، أن تحتل مركزاً استراتيجياً، تخلق فرصاً، تتحكم في مسار اللعب. في السياسة، مثل كرة القدم، من يسيطر على المساحة الحيوية يكون له اليد العليا، والكرة، أو القرار، تتجه إليه غالباً.

 

في النهاية، العالم كله ملعب ممتد، لا صافرة له، ولا استراحة بين الجولات. البقاء في اللعب، المحافظة على القدرة، استغلال الفرص، ومواصلة الهجوم والدفاع، هو ما يحدد من يخرج منتصراً. التوقف يعني النهاية، والاستسلام يعني الفقدان. والبقاء حاضراً، متيقظاً، نشطاً، هو ما يحفظ لك الأمل، سواء على أرض الملعب أو في ساحات السياسة الدولية.

المشـاهدات 55   تاريخ الإضافـة 16/12/2025   رقم المحتوى 68973
أضف تقييـم