النـص :
تعود المقولة القديمة "إذا صلح الرأس صلح الجسد" لتفرض حضورها المؤلم في كل لحظة كارثية تمر بها المدن العراقية، وآخرها لم يكن إلا فاجعة حريق هايبرماركت الكوت، التي أودت بأرواح أبرياء وأحرقت معها ثقة المواطنين بالحكومة المحلية ومسؤوليها.الحريق، بكل ما فيه من وجع ودمار، لم يكن مجرد خلل كهربائي، أو "حادث عرضي" كما حاول البعض تسويقه، بل كان نتيجة سلسلة من الإهمال، والفساد الإداري، وانعدام الرقابة، وتراكم التقصير من قبل الجهات المفترض أنها تمثل "الرأس" الذي يُصلح الجسد أو يفسده. وعندما يكون المحافظ مشغولًا بالولاءات السياسية لا بحياة الناس، وعندما يكتفي مجلس المحافظة بإصدار التوصيات بدلاً من الرقابة الحازمة، وعندما تغيب بلدية المدينة عن التفتيش والرقابة على شروط السلامة، فإن النتيجة الحتمية هي ما شاهدناه: رمادٌ، وضحايا، وغضبٌ في الشارع لا تهدئه التصريحات.في الدول التي تُبنى على القانون، كل مسؤول يُسأل، وكل جهة تخضع للمحاسبة. أما في مناطقنا، فالقاعدة مقلوبة: يُسأل الضحية، ويُترك الجاني في منصبه ليُكمل تقصيره. وهذا ما يجعل المقولة الثانية أكثر خطورة: "إذا صلح القائد، فمن يجرؤ على الفساد؟"، فهي لا تطرح مجرد تساؤل بل تُدين واقعًا؛ أن الفساد حين يُشرعن من الأعلى، يصبح عدوى تُصيب كامل الجسد.لقد أثبتت فاجعة الكوت أن الصلاح لا يبدأ من الأسفل، بل من فوق، من رأس الهرم، من أصحاب القرار الذين يملكون سلطة الرقابة والتنفيذ والمساءلة. وإن كانت أرواح الضحايا لا يمكن استرجاعها، فإن أقل الوفاء لهم أن تتحول هذه الحادثة إلى محطة للمحاسبة لا للتبرير، وأن يُعاد النظر بكل منظومة الإدارة المحلية من جذورها، قبل أن تكون لنا فواجع أخرى.
|