الأربعاء 2025/7/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 46.95 مئويـة
نيوز بار
السلامة في المباني .. بين غياب الإجراءات وتكرار الكوارث.. حادثة الكوت تعيدنا إلى الوراء
السلامة في المباني .. بين غياب الإجراءات وتكرار الكوارث.. حادثة الكوت تعيدنا إلى الوراء
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. مهند الخزرجي
النـص :

لم تعد السلامة في المباني مجرد خيار، بل هي ضرورة حيوية تمس أرواح البشر وأمنهم اليومي، خاصة في البلدان التي تشهد توسعاً عمرانياً سريعاً مثل العراق. ومع تكرار الحوادث المأساوية، تتأكد الحاجة الملحّة لتفعيل أنظمة السلامة والرقابة الفنية على الأبنية العامة والخاصة، والتي تتوزع بين قواعد وتعليمات الهدف منها تقليل مخاطر الحريق، والانهيار، والتماس الكهربائي، أو أية حالات طارئة قد تهدد حياة المستخدمين. وكذلك معدات السلامة، مثل الأجهزة والتقنيات المساندة التي تستخدم للوقاية أو للإنقاذ عند وقوع الحوادث، وتشمل: أجهزة كشف وإنذار الحريق، أنظمة إطفاء ذاتية (مثل المرشات المائية)، مخارج الطوارئ والإشارات الإرشادية، مصاعد وسلالم هروب مقاومة للنار، أنظمة التهوية والتحكم بالدخان، أجهزة الطوارئ الكهربائية، وأدوات الإسعافات الأولية.

 

الواقع العراقي: كوارث تتكرر

 

في العراق، لا يكاد يمر عام دون أن تُفجع البلاد بحادث مأساوي نتيجة الإهمال في تطبيق إجراءات السلامة.وعلى سبيل المثال، حادثة مستشفى ابن الخطيب (2021) التي أسفرت عن مقتل أكثر من 80 شخصاً بسبب حريق شبّ في وحدة العناية المركزة نتيجة تسرب الأوكسجين، في بيئة تفتقر لأبسط متطلبات السلامة، مثل أجهزة الإنذار أو نظام إطفاء فعال.وحريق الحمدانية (2023) الذي تحوّل فيه حفل زفاف إلى مأساة بعد اندلاع حريق في القاعة بسبب استخدام مواد قابلة للاشتعال وسقف غير مقاوم للنار، وسط غياب منظومة الإخلاء السريع ومخارج الطوارئ الكافية وغيرها من الحوادث.وعلى الرغم من تمكن العراق من تشخيص أسباب تلك الحرائق بمعظمها، مثل البناء بألواح سريعة الاشتعال، وعدم استقرار التيار الكهربائي، وعدم الالتزام بشروط وقواعد السلامة في المباني، فإن مثل تلك الحوادث ما زالت تتكرر.والدليل على ذلك أننا، مؤخراً ، فُجعنا بحادثة جديدة أعادت لنا الذاكرة المريرة: حريق يلتهم مركز تسوق كبير في الكوت، ويزداد حجم الكارثة مع ارتفاع عدد الضحايا والمفقودين، وسط مشاهد تجعلنا نتساءل: أين معدات السلامة؟ وهل هناك استخفاف بأرواح الناس إلى درجة أن يكون مبنى بهذه الضخامة، وفي مدينة مثل الكوت، يفتقر لأبسط إجراءات الأمان؟أسئلة عديدة تراوح بين معطيات الواقع ومطالبات الماضي القريب دون استجابة! علماً أن ضحايا حوادث الحرائق مؤخراً فاق عددهم ضحايا الإرهاب وعنف الجماعات المسلحة والجرائم الأخرى بأضعاف عدة!!!

 

أسباب ارتفاع حوادث الحرائق

 

* في مقدمة الأسباب: غياب الرقابة الحكومية الفاعلة، حيث تُنفذ كثير من المشاريع دون التزام حقيقي بكودات البناء والسلامة المعتمدة.

 

* الفساد في منح التراخيص، مما يتيح لبعض المقاولين والمستثمرين تجاوز معايير الأمان مقابل الرشى أو النفوذ.

 

* قلة الوعي المجتمعي، فالكثير من المواطنين والمستثمرين لا يرون في إجراءات السلامة أولوية، بل عبئاً إضافياً على الكلفة. كما أن قانون التأمين العراقي رقم 10 لسنة 2005، الذي وضعه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، نص على تحويل التأمين من إجباري إلى اختياري، ولم تجرِ عليه أي تعديلات لغاية الآن، مما كان سبباً في تراجع وعي المواطنين بأهمية الحفاظ على الممتلكات، خلافاً لما كان عليه الوضع قبل 2003.

 

* الضعف في محاسبة المسؤولين عن الحرائق التي وقعت في السنوات الأخيرة في عدد من المؤسسات والمباني الحكومية، على الرغم من أن لجان التحقيق التي تابعت الملفات كشفت إهمالاً كبيراً في تنفيذ شروط السلامة.

 

* ضعف التدريب والاستجابة، فغالباً ما تواجه فرق الطوارئ صعوبة في الوصول السريع أو احتواء الحوادث بسبب ضعف المعدات والتدريب.

 

* التيار الكهربائي غير المستقر في عموم البلاد، والذي غالباً ما يتسبب في وقوع حرائق.

 

ختاماً…

 

أرواح العراقيين ليست أقل قيمة من الأرواح في أي مكان آخر من العالم. ما يحدث من كوارث متكررة هو جرس إنذار يجب ألا يُغض الطرف عنه.السلامة ليست ترفاً، بل هي حق لكل إنسان، ومسؤولية تقع على عاتق الدولة والمجتمع والقطاع الخاص على حد سواء.وبدونها، سنبقى ندور في دوامة الحزن والأسى على ضحايا يمكن إنقاذهم بإجراء بسيط أو جهاز صغير، لكنه غائب عن موقع الخطر.وعليه، لا بد من: تحديث مجموعة القواعد والتعليمات الفنية والقانونية التي تنظم عملية تصميم وتنفيذ وصيانة المباني والمنشآت في العراق، وإلزام جميع الأبنية العامة والخاصة بتطبيقها. متابعة الالتزام بالقرارات والقوانين التي تجرّم إهمال متطلبات السلامة، وتفرض غرامات أو عقوبات على المخالفين. إشراك الدفاع المدني بشكل إلزامي في مراحل التصميم والإنشاء والترخيص. التوعية المجتمعية والإعلامية بمخاطر غياب السلامة وسبل الوقاية. تحفيز شركات البناء على الالتزام من خلال تصنيف جودة ينعكس على سمعتها التجارية. اضافة إلى  معالجة الخلل في قانون التأمين العراقي، وهذا ما سنعمل عليه، وبشراسة، تحت قبة البرلمان.

المشـاهدات 29   تاريخ الإضافـة 23/07/2025   رقم المحتوى 65035
أضف تقييـم