الأربعاء 2025/7/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 46.95 مئويـة
نيوز بار
مهارة السرد التوثيقي في رواية كوري كافانا
مهارة السرد التوثيقي في رواية كوري كافانا
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حسين راضي الشمري

في البداية اود القول بأن مهارة السرد التوثيقي في رواية كوري كافانا للروائي سعدون جاسم موسى تستند إلى الذاكرة الشخصية والتاريخية، وتصوغ حياة الراوي منذ الطفولة في بيئة هامشية فقيرة (الشاكرية)، مرورًا بالمراهقة والصدمات الجنسية المبكرة، ثم المعارك العسكرية في كردستان، حتى الخيبات الوطنية الكبرى ... تقدم الرواية صورة مجتمع يتقوض تحت ثقل الفقر والاستبداد، حيث تصبح الحياة اليومية خليطًا من الهشاشة الوجودية والخوف من السلطة واللذة المحرمة وشعور دائم بالحرمان. "لم تكن هذه حياة ولا موتاً ... والأسوأ أن نرى بعضنا البعض" ... كما وتتمحور الرواية حول شخصية الراوي/البطل الذي يمثل الإنسان العراقي المقهور ... طفولة معذبة لكنها دافئة: "كنا نصنع من العلب المعدنية على شكل مصباح..." مراهقة مبكرة في بيئة محرومة: "كنت أصاب بالدهشة عندما ينظرن لي النساء والفتيات بتشهٍ فاضح!" تجربة عسكرية عنيفة: "تحوّل وجهه إلى كتلة من دم ... ما تحرك وهو راكع كأنما يصلي! 

شتات نفسي مزمن: "الشعور بالحرية يتحول إلى بلادة رعناء..." الشخصيات النسوية (بدرية، الفتاة في القطار، الأرملة) تمثل صدى التحولات القيمية: في لحظة تلاقٍ مع الأرملة يقول: "أشعر بأن سير الزمن قد توقف والحياة قد تجمدت في فؤادها." ... ومن الجدير بالذكر فأن الزمن في الرواية دائري يبدأ من طفولة حالمة وينتهي في حاضر بائس ... المكان واقعي شديد المحلية: أحياء فقيرة: الشاكرية، كرادة مريم جبهات الحرب: كوري كافانا ... محطات الهروب والاعتقال "طرق خضراء ضيقة متعرجة بعضها منقور في صخور مكسوة بخضار داكن..." كما واعتمدت الرواية على أسلوب المباشرة، والتصويرية، ذات الطابع التقريري حيث تكمن قوتها في الصدق والعفوية لكنها تحتاج في أحيانًا للتكثيف الشعري "أحن إلى الحرية وأنا مبلل بالعرق وخطر المجازفة... الوحدة تتزايد والحلم يستعصي على التحقيق."

ومن جهة اخرى فأن الرواية تحتشد بالرموز الاجتماعية والسياسية: النار والكوخ = الدفء المفقود والذكرى ... المطر والظلمة = انطفاء الأمل ... القطار = القدر المجهول ... الأصفاد = قيد الدولة والطغيان "الطاغية الذي حوّل الحياة إلى مسرحية مرعبة تافهة...!

وبهذا فأننا نستطيع أن نلتمس البعد النفسي في الرواية لنجده متشظٍّ: كالحنين الدائم إلى الطفولة ... والإحساس الدفين بالخزي بعد التجارب الجنسية ... والقلق الوجودي العميق "كنت أجهل ذلك ... أتحسسه وأهمس مع نفسي: ماذا به وجهي؟!"

وكأن السرد يعرض قوته في صدق التجربة وتوثيقها ووفرة التفاصيل الواقعية ووضوح المواقف السياسية ... بالرغم من وجود ضعف في الحبكة الدرامية بعض الشيء وقلة التكثيف كما أن الطابع التسجيلي يغلب على البناء الروائي.

كوري كافانا رواية توثيقية إنسانية صادقة، تقدم شهادة على زمن عراقي مضطرب ... قوتها في عمق المعايشة وصدق العاطفة ويمكن للنصّ ان يحفظ في ذاكرة جيل أكثر من كونها رواية عادية  كما وأنها رواية تستحق القراءة وذلك لفهم التاريخ الاجتماعي والوجدان العراقي في حقبة زمنية مهمة.

المشـاهدات 31   تاريخ الإضافـة 23/07/2025   رقم المحتوى 65032
أضف تقييـم