
![]() |
شهرزاد ورواية القصص في "الف ليلة وليلة" كتقنية للتواصل العاطفي والذكاء الاجتماعي في إعادة تشكيل العلاقة الزوجية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
د. انسام المعروف
تُعدّ شخصية شهرزاد في "ألف ليلة وليلة" مثالًا أدبيًا غنيًا لاستخدام الحكمة الأنثوية والذكاء العاطفي في مواجهة العنف الذكوري الممنهج. عبر تقنية رواية القصص المتسلسلة وغير المكتملة، استطاعت شهرزاد ليس فقط النجاة من الموت، بل إعادة تشكيل وعي شهريار تدريجيًا، وتحويله من طاغية ناقم على النساء إلى رجل مُستمع ومتعلق بقصصها، ثم بها هي شخصيًا. يناقش هذا المقال كيف يمكن فهم هذه الاستراتيجية السردية كأداة للذكاء العاطفي والاجتماعي، وما تقدمه من دروس للنساء في الحياة المعاصرة لبناء علاقات زوجية متوازنة ومستقرة. في لحظة يأس وغضب، قرر الملك شهريار أن ينتقم من خيانة زوجته بقتل كل امرأة يتزوجها بعد ليلة واحدة. لكن شهرزاد، ذات الثقافة والحكمة، قررت ألا تهرب أو تخضع، بل واجهت العنف بطريقة ذكية وغير مباشرة: رواية القصص. هذه الاستراتيجية لم تكن عفوية، بل جاءت محمّلة بأبعاد نفسية واجتماعية، حيث وظّفت شهرزاد السرد كوسيلة للتأثير العاطفي والتغيير السلوكي، وهو ما يندرج في إطار الذكاء العاطفي والاجتماعي. تقنية رواية القصص كوسيلة للاحتواء والنجاة لقد اعتمدت شهرزاد على التشويق المتعمد فقد كانت تنهي قصتها في قمة الحدث، مما يدفع شهريار لتأجيل قتلها رغبةً في سماع النهاية. واستخدمت بناء التعاطف التدريجي من خلال قصصها التي حملت معاني الحكمة والوفاء والخيانة والعدل، جعلت شهريار يرى النساء بعيون أخرى. ثم خلق حوار داخلي لدى شهريار فالقصص كانت مرآة رمزية لنفسه وتجاربه، فبدأ في التشكيك بموقفه المطلق تجاه النساء. تقنية الذكاء العاطفي عند شهرزاد تمثلت في قدرتها على قراءة مشاعر شهريار، احتواء عنفه، وتوجيهه عاطفيًا نحو الإصغاء بدلاً من الانتقام. وظهر الذكاء الاجتماعي في إدراكها لبنية السلطة والهيمنة الذكورية، واختيارها ألا تتحدى شهريار بشكل مباشر، بل تُعيد تشكيل وعيه من الداخل عبر القص. ليست الغاية من تحليل قصة شهرزاد تمجيد الحيلة أو الخضوع، بل التوقف عند فن التواصل العاطفي الذكي الذي يمكن أن يُعزز استقرار العلاقات الزوجية، ومنها إتقان فن الحديث فهي تقدم الأفكار والمشاعر بطريقة فيها تشويق، استماع، تفاعل. وتوظيف السرد اليومي كأداة لتعميق الحوار، ومشاركة الأفكار والتجارب. بالاضافة الى التحلي بالصبر والحكمة خاصة في لحظات الغضب أو الاختلاف، حيث يمكن أن يكون الذكاء العاطفي بديلاً عن المواجهة المباشرة التي قد تؤدي إلى القطيعة. ما فعلته شهرزاد لم يكن مجرد رواية للقصص، بل كان إعادة خلق لثقافة التواصل والإنصات داخل مؤسسة الزواج. عبر ذكائها العاطفي والاجتماعي، تجاوزت الموت وأعادت الإنسانية إلى الملك الغاضب. في عالم اليوم، تحتاج العلاقات الزوجية إلى أدوات مماثلة كالوعي، الحِكمة، وفن إدارة المشاعر، حتى تصير البيوت ممالك آمنة، لا ساحات حرب. |
المشـاهدات 27 تاريخ الإضافـة 26/07/2025 رقم المحتوى 65148 |