المقدمة

تُعدّ الانتخابات النيابية في النظام الدستوري العراقي ركيزة أساسية لتجديد الشرعية الشعبية وضمان التداول السلمي للسلطة. وقد أولى دستور جمهورية العراق لسنة 2005 اهتمامًا خاصًا بتنظيم المدد الدستورية لمجلس النواب، بغية تحقيق الاستقرار التشريعي ومنع أي فراغ سياسي قد يعرقل أداء السلطات الدستورية.وتبرز أهمية المادة (56) من الدستور في كونها تحدد الإطار الزمني لدورة مجلس النواب وتوقيت الانتخابات المقبلة بدقة، بما يجعلها من أهم النصوص المؤثرة في انتظام الحياة البرلمانية. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل النص الدستوري المذكور وتطبيقه على الحالة العملية للانتخابات المزمع إجراؤها في عام 2025، مع بيان مدى اتساق التوقيت الانتخابي مع أحكام الدستور.

أولاً: مضمون المادة (56) من الدستور العراقي

تنص المادة (56) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على ما يلي:

1. تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية، تبدأ بأول جلسة له، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة. 2. يجري انتخاب مجلس النواب الجديد قبل خمسة وأربعين يومًا من تاريخ انتهاء الدورة الانتخابية السابقة. يُفهم من النص أن المشرّع الدستوري قد رسم قاعدة عامة ذات بُعدين:* الأول: تحديد المدة الكاملة للدورة النيابية بأربع سنوات تبدأ من تاريخ انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، وليس من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات أو المصادقة عليها.* الثاني: إلزام السلطة المختصة بإجراء الانتخابات المقبلة قبل انتهاء الدورة النيابية السابقة بمدة لا تقل عن خمسة وأربعين يومًا، لتأمين فترة انتقالية تكفل استمرارية العمل التشريعي دون انقطاع.

ثانياً: الأساس الزمني للدورة الحالية لمجلس النواب

بدأت الدورة الانتخابية الحالية لمجلس النواب العراقي بتاريخ 9 كانون الثاني (يناير) 2022، وهو تاريخ انعقاد الجلسة الأولى.وبناءً على ذلك، تُحتسب المدة الدستورية البالغة أربع سنوات تقويمية على النحو الآتي: * بداية الدورة: 9 / 1 / 2022 * نهاية الدورة: 8 / 1 / 2026 وفقًا للمادة (56/ثانياً)، يجب أن تُجرى الانتخابات البرلمانية قبل خمسة وأربعين (45) يومًا من هذا التاريخ، أي قبل 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025، وهو الموعد الذي أكّد عليه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان باعتباره آخر تاريخ دستوري لإجراء الانتخابات الجديدة.

ثالثاً: التطبيق العملي للانتخابات العامة لسنة 2025

وفقًا للبيانات الرسمية، جرت الانتخابات البرلمانية في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025.وعند مقارنة هذا التاريخ بالتاريخ الدستوري المحدد (24 / 11 / 2025)، يتضح أن الانتخابات قد أُجريت قبل الموعد النهائي بثلاثة عشر يومًا، وهو ما يعني: * أن العملية الانتخابية تمت ضمن الإطار الزمني الدستوري المقرر. * ولم يحصل أي إخلال بشرط «الخمسة والأربعين يومًا» المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة (56). وبذلك، يُعدّ التوقيت الذي جرت فيه الانتخابات منسجمًا تمامًا مع أحكام الدستور، ويُحقق الغاية التشريعية من النص، والمتمثلة بضمان انتقال سلس للسلطة التشريعية دون تأخير أو فراغ.

رابعاً: التحليل القانوني للتفسير الدستوري

يُلاحظ أن عبارة «أربع سنوات تقويمية» جاءت بصيغة دقيقة تفيد العدّ الزمني المستمر منذ تاريخ انعقاد الجلسة الأولى، وليس منذ بداية السنة المالية أو السياسية.كما أن إلزام الدستور بإجراء الانتخابات «قبل خمسة وأربعين يومًا» يعكس حرص المشرّع الدستوري على منع أي تداخل زمني بين الدورة المنتهية والجديدة، وهو ما يكرّس مبدأ استمرارية السلطات العامة بوصفه أحد مرتكزات الشرعية الدستورية.ومن ثم، فإن أي تعديل أو تجاوز لهذه المدة يُعد إخلالًا بمبدأ دورية الانتخابات ويشكّل مخالفة صريحة لأحكام الدستور، في حين أن إجراء الانتخابات قبل هذا الموعد يُعدّ صحيحًا من الناحية الدستورية والقانونية.

الخاتمة

من خلال الدراسة التحليلية للمادة (56) من دستور جمهورية العراق، يمكن استخلاص ما يلي: 1- أن مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب تُحسب من تاريخ أول جلسة له، وتمتد لأربع سنوات تقويمية كاملة.2- أن الموعد الدستوري الأخير لإجراء الانتخابات العامة هو 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025، استنادًا إلى بدء الدورة الحالية في 9 كانون الثاني 2022. 3- أن الانتخابات التي أُجريت في 11 تشرين الثاني 2025 جاءت ضمن المدة الدستورية المقررة، وبالتالي فهي مطابقة لأحكام المادة (56) من الدستور. 4- أن احترام التوقيتات الدستورية يعكس التزام السلطات العراقية بمبدأ المشروعية الدستورية، ويعزّز الثقة بالعملية الانتخابية بوصفها التعبير الأسمى عن إرادة الشعب.تم بعون الله