الأربعاء 2025/8/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 40.95 مئويـة
نيوز بار
الوعي المستلب وصراخ الأنثى المقموع في رواية عقول تحت الإفاقة
الوعي المستلب وصراخ الأنثى المقموع في رواية عقول تحت الإفاقة
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

حسين راضي الشمري

في زمنٍ تتشابك فيه قضايا المرأة بالخطابات الإعلامية والسياسية تأتي رواية (عقول تحت الإفاقة) للكاتبة العراقية نور عبد الستار أحمد لتدخل إلى لبّ المعاناة الأنثوية من بوابة السرد الأدبي الناضج مقدمةً نصاً واقعيًا موجعًا بسيطًا في لغته وعميقًا في أثره يحاكي أنينًا داخليًا طويلًا لصوتٍ أنثوي غائب أو مُغيّب في المجتمع العراقي والعربي. تحمل الرواية في عنوانها مفارقةً ذكية فـ(عقول تحت الإفاقة) توحي بحالة وعي لم يكتمل يقبع في تخديرٍ قسري اجتماعي أو ثقافي حيث تُمتهن حرية الفكر كما يُقمع الجسد. الكاتبة تُشير من البداية إلى أن القضية ليست فقط في صمت النساء بل في سلب إرادتهن حتى على مستوى التفكير وهو استفاقة مؤجلة لعقل مضطهد. تبدأ الرواية بدور البناء المتقن ثم تتصاعد الحبكة نحو الانفجار ... ثم انكسار

مفاجئ للأحداث التي تقع في قرية عراقية وتتبع بطلتها (سميرة) وهي فتاة ريفية بسيطة والتي تواجه حدثًا صادمًا حين تتعرض لمحاولة اعتداء في البستان، وتُقلب حياتها رأساً على عقب بعد أن يُتهم جسدها لا الجاني ... الحبكة لا تركن إلى الإثارة الرخيصة، بل تتصاعد بهدوء ثم تنفجر مأساويًا، لتنقل القارئ من الانبساط إلى الانقباض، ومن الضحكة إلى العبرة. حتى تصل الى الذروة الفنية المتمثلة في ذلك المشهد الصاخب حيث تنهار سميرة وسط الناس صارخة: "أقسم لكم لم أره من قبل لم أتعرض لموقف كهذا قط"

لكن صوتها يُردم بالشك وتُرمى بالتهمة لا لأنها مذنبة بل لأنها امرأة.

الشخصيات في الرواية مرسومة بدقة واقعية. سميرة: تعبير عن المرأة الطيبة، الحية، التي تُذبح بصمت.

نداء: تمثل النقيض النسوي، أكثر وعيًا، لكنها عاجزة أمام جدار المجتمع. فيصل وقاسم: صورتان واضحتان للذكورة القامعة (واحدة غاضبة همجية وأخرى ناعمة لكنها لا تقل سلطة). محمد: رمز الحب الذي لا يكتمل في ظل البنية المجتمعية الخانقة. تنقلنا لغة الرواية بين التبسيط والصدق حيث اختارت الكاتبة لغة أقرب إلى العامية العراقية المخففة، ما يجعل النص سهلًا وواضحًا للقارئ العام، لكنه أحيانًا يُفقد الرواية البعد الجمالي أو الشعرية. رغم ذلك يبقى للأسلوب صدقٌ حارّ يجعل المتلقي يلامس الواقع دون تزييف.

ومن أبرز المشاهد: "وجهها محمر، عيناها مغرورقتان ... وتقول هل جننت؟ ماذا تقول؟" هكذا توظف الكاتبة الجملة البسيطة لتقول الكثير بالقليل ... ولعل القضايا المطروحة في الرواية والتي أهمها أن تكون (الأنثى تُحاكم بلا محكمة) هي من أهم المفاصل في الرواية كما وتطرق باب أكثر المواضيع حساسية (قضية الشرف) حيث الجسد يُختزل إلى "مِلك جماعي" يحكم عليه العقل الجمعي القروي. وايضاً (الصوت الأنثوي المقموع) فكل من تحاول أن تدافع عن سميرة تصمت تحت ضغط الإخوة أو تحت التهديد. كما تجسد لنا (مأساة الزواج القسري) في النهاية تكون العقوبة "تزويجها" من رجل لا تريده وكأن جسدها صار أداة ترميم للشرف الذكوري "قررنا أن نزوجها من هاشم ... الأمر منتهٍ" ... بهذه العبارة تُغلق الكاتبة جرح البطلة لا بالتضميد بل بالخضوع.

لتدخلنا الروائية في رمزية بسيطة لكنها موجعة لا افراط فيها لكنها توظفها بدقة (البستان) من مكان سلام، إلى موقع انتهاك. (الحنّة) من طقس فرح، إلى قيدٍ يُفرض بالقوة. (الدموع) أكثر المفردات تكرارًا ترمز للانهيار النفسي الذي لا يُترجم كلامًا. ولعل أهم ما يميز النص الروائي هو حين يتحول الأدب إلى صوت للعدالة (عقول تحت الإفاقة) ليست نصًا نسويًا دعائيًا بل عمل أدبي موجّه بالصدق وبالرغبة في كشف المقموع في حياة المرأة. هو أدب لا يقدم الحلول لكنه يفضح المشكلة ويزرع الشك في يقينٍ زائف وهذا بحد ذاته فعل أدبي جريء ونبيل ... إنها رواية تليق بأن تُقرأ لا لتُنسى بل لتُناقش وتُدرّس وتُواجَه بها ثقافة الصمت.

المشـاهدات 82   تاريخ الإضافـة 20/08/2025   رقم المحتوى 65833
أضف تقييـم